أفتتح
هذا الصباح على صياح ديك قادم من بعيد. لثقل صوته تظن أنه قادم من الماضي لامحالة،
وخاصة في حارتنا التي غادرتها أصوات الملائكة مذ مات أبي؛ ولم يسمع فيها إلا صوت
الشياطين. صوت كلاب شرسة تُفزع الليل بنباحها دون توقف مثل نعي. تفزع أمي كل ليلة
وهي تردد في صوت بدوي وهامس "يهيب..يهيب".
تنفض
أياديها مراراً وتكراراً.
هذا
نباح كلاب القرية يوم ماتت كركوبة، هذا صياحها يوم موت العود، هذا نباحها يوم مات
خالي.
لطالما
كنت طمأنينة لخوف أمي. دون أن تطبطب كف مجعدة على خوفي.
اقشعر
بدني كتيار كهربائي يعبر أطرافي ويحيط بخاصرتي.
لكن
هذا الصباح جاء مبشراً بصوت ديك لازلت أجهل تماماً هل كان قادماً من حارة مجاورة
أو من طفولتي.
في
مرحلتي الابتدائية وأنا أستعد للمدرسة قبل أن يعود أبي من الصلاة في نشوة ملعونة.
النشوة التي أعد فيها زي المدرسة من الليلة السابقة. المريول المعلق من أكتافه
والقبة البيضاء الموردة، وحقيبة لا تختلف عن مثيلاتها في تلك المرحلة.
وشريطة
أحرص عليها لا لأحافظ على أناقتي الدراسية بقدر حفاظي على بروش المثالية.
فالمراكز
الأولى ليست ذات أهمية ولا التنافس عليها من اهتماماتي ما دمت غالباً سأكون الأولى
أو الثانية على الدوام. لكن رعب أن أخسر المثالية يتركني في منافسة طوال السنة.
لكن
ليس ذلك سر النشوة كل صباح!
النشوة
الملعونة. التي توقظني قبل الفجر لأستعد للمدرسة. أكاد من خفة روحي أن أطير. أقوم
حينها بدور عصفور الصباح أطوف المنازل القريبة لأوقظ فيها بنات عمي ليستعدوا كذلك.
أحاول قدر الإمكان تقديم المساعدة لتسريع الوقت. كل البيوت المجاورة.
اركض
بين البيوت بثوب رمادي يعيق الركض والوصول.
امنح
المساعدة إن لزم الأمر أو لم يلزم. أرتب المناديل لبنت عمتي حتى لا تقضي وقتاً
أطول في ترتيبها بينما هي تستعد. ثم أغادر لأوزع جدول بنت عمي لاختصار الوقت. وأنا
أراقبها تزين شعرها بهدوء فاتن وتقضي وقتاً طويلاً في اختيار المناديل المناسبة
لتزين كعكة مدورة وقصة ناعمة تنسدل على جنب.
أفتقد
هذه السكينة.
عمتي
التي تصر على ألا تغادر ابنتها قبل أن تنهي فطورها. وأنا أجهز فطورها وبحركة من
رأسي أحاول اقناع عمتي بأنه يمكنها أن تنهي فطورها في السيارة.
جمس
أحمر. سائق من الجنسية الاندونيسية بالكاد يبلغ المرتبة لضآلة جسده.
أجلس
بجانبه بينما تتكدس المراتب في الخلف بالقريبات.
التفت
للخلف للتأكد من اكتمال العدد اضرب على طبلون السيارة في إشارة للاستعجال. فهناك
نشوة ملعونة للركض والتحليق واللحاق بالمدرسة بأقصى سرعة ممكنة.
يتم
توزيع البنات على مدارسهن. مدرسة ثانوية ومتوسطة ثم يحين التوقف عند مدرستي
الابتدائية في المرتبة الأخيرة.
أتفقد
أدواتي. زمزمية، شرائط بيضاء بأطراف مزينة بعود كبريت بشدها بطريقة معتادة وغير
ملحوظة مجدداً؛ للتأكد من ثباتها حتى نهاية اليوم.
أتفقد
حقيبتي. حقيبة ظهر وردية مع أطراف رمادية. لكن لا أجدها. لقد تركتها عالقة على درج
المنزل.
فتعود
النشوة الملعونة تجر أقدامها بثقل بالغ.
فحتماً
لن تتمكن من تقديم الإذاعة المدرسية هذا الصباح رغم كل التجهيزات والترتيبات التي
سبقت ذلك. بدقة متناهية.
تعود
ثقيلة لتصطحب حقيبتها.
"صوت كلاب شرسة تُفزع الليل بنباحها دون توقف مثل نعي"
ردحذفمفزعة كأنها تعض القلب
شكرا للوقت الطيب هنا