السبت، 24 أغسطس 2013

القرفصاء فكرة عاجزة .








عندما تتم تعبئة الحبر في الآلة الطابعة بعد مدة, ستبدأ فوراً في طباعة بعض النسخ الغير مطلوبة والغير واضحة ..
هذا الإجتهاد الأعمى يصيبني على نحو ما هذه الفترة، وأمي تسميه جهد البلاء .

على كل حال، أحن للطفولة فتتولد القرفصاء، كأن كل هذه المساحة الكبيرة من الجسد فكرة سيئة وفراغ لاحاجة إليه، كأن فكرة البكاء الآن فكرة منتهية الصلاحية لكن لابأس بها .. ورغم ذلك لا تأتي ... فنندفع من طرف اليأس لطرف الحلم ومن حدود الواقع لآخر سقف في المخيلة .. نحاول تجاوز هذا الزحام الشعوري بأقل الخسائر الممكنة .. ونغفل عن أن أي  إصطدام في أي لحظة قادمة يعني البدء من الصفر مجدداً ..ودرجة الصفر باردة للغاية وموحشة .

يوبخني أخي عادة ولايمل، "الإفراط في الأحلام مراهقة والغرق في الخيالات الواسعة خديعة" وينسى أن الإفراط في الأحلام كالإسراف في الواقع كلاهما على طرف هاوية .. والتوازن لايكون لأمثالنا .. مغرمون بالنجاح ولانخرج من دائرة الفشل, باحثون عن السعادة ولانعد غير الحزن، واسعة أفكارنا في صندوق معتم ضيق، وكل هذا العمر المهدور يصب على رؤوسنا ..


لابد أن يكون أحد ما في الماضي أو في المستقبل مسئول عن هذه القلوب المحطمة والأفكار التائهة والمسببة للصداع .
لابد وأنه جين مغضوب عليه أو حامض مضطرب أو رؤيا لم تتكشف بعد لكن الأمركله في النهاية واقع مزيف وغير واضح يسبب القلق ويفاقم الأرق ..
حتى لاتفكر فتاة مثلي في السواد تحت عينيها مادام هناك سواد عظيم حول رأسها .

الأربعاء، 21 أغسطس 2013

رابعة الغوطة ..



:لازلنا الأوفر حظاً بالطبع ..

كيف ذلك !
:حينما نكون في فسحة من الأمر هذه اللحظة ونفكر كيف نقضي الغد.
أنت مخدوعة .
إن الألم حقيقي لاخداع فيه غير الحقائق التي تعرف جيداً كيف تزيف نفسها .
أنتم في الزيف منذ الأزل 
أنا لا أتألم .
أنت عاجزة .. فقط عينان مثبتة على الشاشة وروح تتفطر
ولو كنت هناك هل سيتوقف الألم برأيك ؟
أجل .
كيف؟
العجز وحده الشقاء الأبدي .. حين تملكين قوة ومال وفكر ولكنك في قيد لايمكن حله, لو كنت هناك لربما كان التعب ملقى على جسدك .

يبدو أن الحوار سيأخذنا في ستين داهية .

cut..




قد يظن البعض أننا الشعب الأوفر حظاً على الإطلاق, في ظل إستقرار ظاهري وهامشي ليس له معنى.
لكن في الحقيقة نحن الشعب الأكثر خديعة على وجه المعمورة, في ظل دولة مبنية على خدعة منذ الأزل ..
لايهم لن أدخل في التاريخ وأنا أكثر الأشخاص مقتاً للتاريخ, يزعجني أن أحمل على عاتقي أفكار كل من سكن قبلي هذه البقعة وحملني كل هذه الجينات وزرع عقده بجذور متينة, هكذا يكون التاريخ مزعج حين تعرف يقيناً أنه لايكف عن التكرار ولايأتي بجديد ولايضع في يدك أي حل غير أن تتذكر وتشجب وتستنكر وتتأوه .
 هذا هو الحال الآن .. الكثير من العجز والقهر والغبن .

أنا أحاول إصابة الحقيقة في كبدها, يثير دهشتي فعلياً النشاط والهمة والصبر والجلد في أهل شامنا وأهل الكنانة, يثير فضولي, كيف يصرون على الحياة بكل قوة, الموت راحة أكثر من هذا الشقاء لكنها الكرامة وأعرف ذلك جيداً وليس هذا محور حديثي ودهشتي .. 
كنت أناقش أختي أننا الشعب الواهن والضعيف, ليس لأننا لم نفكر حتى في إحداث جلبة وثورة لكنه وهن حقيقي وليس سببه الدلال .. كأنما نحن شعب في مرعى خصب ممتد بلانهاية لكن بحواجز أمريكية الصنع ومثبتة حتى الأرض السابعة , حياتنا مجرد كذبة ومشاكلنا مجرد سيناريوهات مكتوبة في عتمة حتى لانشعر بالسأم , قضايا خادمات هاربات وعمالة سائبة وبطالة مدبرة ومدروسة وتعليم هش هزيل لدرجة أنني عندما أصادق من هم في سني من أكثر من دولة خارجية أشعر أني مجرد أمية رغم أني أتعلم وأسعى عطشة وشغوفة لكننا لم نبلغ نصف الطريق عن عمد .. المرعى الخصب يدس السم .. كلنا أجيال بلاستيكية أبسط كارثة قد تصيبها بمقتل .. نحن في واقع الأمر نكرة مهما حاولنا الخروج من قوالب معدة لنا مسبقاً ومدروسة وجاهزة .. مهما كان الطموحات عالية السقف مغشي عليه ..

أنظر لأصدقائنا في فلسطين .. لايزالون يسعون نحو الحياة, يدرسون, يكتبون, ينشرون, يعيشون بشغف ورغبة وإصرار..
شعب سورية كذلك, رغم الحرب الكالحة والمصائب المتوالية يبرعون في التكنولوجيا والهواتف الذكية والمواقع ويصرون على الإستمرار والمواصلة والنشر وإيصال الرأي لكل وجهة .. في عمل لاينقطع وفي شغل دائم للتهكير والنشر والتوزيع ..
وأرض الكنانة لازال الطبيب يخرج لعمله, والكاتب للصحيفة, يدفن الأب ابنته في عجل ليعود ويبث الحياة بكل حياة في قضيته ويصر الإبن بعد موت أبيه على التقدم والثبات أكثر, تنسى الأرملة المكلومة حزنها سريعاً لتبث السعادة عبر صنع كعك محلى ليتم توزيعه في كافة الميدان ..

إنها البركة تحل في النفس والجسد, ليس حسداً أبداً .. لكنه حديث صريح , قد يكون ذلك السر في طعم الحرية أخيراً .. في حلاوة العتق , في الخروج من المرعى أخيراً إلى عالم لايركع فيه أحد ولاتقبل فيه يد أحد ولا رأس أحد ولا تقدم فيه الحقوق على شاكلة عطايا وهبات , لاتمنح فيه الحياة حسب الرغبة ..

أقارن ذلك العمل بفعلي أنا, لدي عمل ولدي مواعيد وأوقات وزحمة ورغم ذلك يصيبني خبر جريمة الغوطة بالأسى لأترك كل شيء على الرف وأندس في فراشي مثل عجوز عقيم , أترك كل شيء وأختبئ في العتمة حتى أنسى وحتى تتسرب هذه المجازر من دمي .. 

قد يكون الأمر جينياً, أتذكر حديث أمي عن جدتها كيف قضت نحبها حزناً وكمداً على ابنها الذي بدأت قصة موته بمصارعة مازحة ثم لكمة أسفل أضلاعه فتكسر .. ليقضي شهره ممداً على الفراش حتى برز ضلعاه .. وبعد وفاته صرت ضلعيه في طرف شالتها تشمها وتبكي وتندب حظها حتى لحقته .

يبرز لي الأمر بعد مرض أبي .. كيف اختلف وجه الدنيا واعتزلنا الفرح وكأنها ورقة إعتراض على هذا القدر, وكأنما نحن مولعون بالحزن .
وعندما يتفاقم مرض والدي يصاب البيت كله بسكتة, وتبدأ أمي بالعويل والدوار وزرع القلق, وينتهي الأمل في أعيننا دفعة واحدة.


والآن وأنا أتلمس ضلوعه البارزة وكتفه العاري وترقوته الصريحة, أتتبع مواضع الألم الذي يسري في عروقه وأنا أكثر إيماناً من قبل .. أكثر صبراً وجلداً .. أخبره عن عائلة كاملة في فلسطين دكت, عن أطفال في سن أحفاده لم يدركوا كل الأسماء الممكنة لم يحفظوا سورة الكوثر ولم يفكروا غير في اللعب ماتوا دفعة واحدة , عن شباب مصر لم يكفوا بعد عن حلم بسيط كمتى يكون آخر إختبار وتنتهي كل هذه المكابدة .. عن الكثير يخبرنا أننا في فضل وكرم من الله كبير أنك لاتزال معنا ولو كنت تتوكأ سواعدنا بعد كل قوة ..

 ولله الحمد من قبل ومن بعد .
تدوينة بعد إنقطاع طويل لن تخلو من أخطاء فغضوا الطرف ..