الثلاثاء، 12 مايو 2015

إعترافات مؤجلة.

ستنتهي الحياة وأنا لم أعترف لكم بحقيقتي .. 
فأنا رجل في السادسة والخمسين من عمري، أخترعت شخصية أسميتها نوف على اسم ابنتي البكر المتوفاة في سنتها الثانية، حينما كانت تركض خلف بالونتها وسقطت من الدور الثاني.  
بعدما افتقدتها .. أعدتها للحياة وكنت أنام كل ليلة وأنا أسأل ماذا لو كانت حيّة ترزق الآن، ماذا كانت ستصنع وماذا كان سينتظرها، كان سيكون عيد ميلادها التاسع والعشرون في مارس، وهكذا كنت أنام على كتف هذا السؤال واستيقظ بفكرة كاملة عن يوم جديد من حياة نوف. 
بالطبع الأمر سيكون سهلاً علي في بلد مثل بلادي ..حيث أماكنها المفتوحة معدودة وعلاقاتها محدودة، مما سهل علي المضي قدماً. 

يبدو أني أصبحت مهووساً بالفكرة لدرجة إهمالي لزوجتي، حتى طلبت الطلاق قبل خمس سنوات .. مهووس للغاية لدرجة لم أفتقدها طوال هذه السنوات الخمس. 

أملك قطة بعين واحدة سليمة وأخرى منطفئة تماماً، كأنما أطفئت بها شمعة. ويبدو أنها صماء فهي لاتتحرك من مكاني مهما هششتها حتى أدفعها بيدي، لا أذكر أني اشتريتها، غير أنه في ذلك اليوم وعندما غادرتني زوجتي، ويبدو أنها تركت باب المنزل مفتوحاً على مصراعيه، وقد وجدت فيه الهرة الهاربة غايتها. 

لايهم .. 
لكادت نوف أن تكون شيئاً واقعياً للغاية، أمراً لا مفر منه، أو ربما تختار أن تكون قنبلة نووية، غير أن تكون طفلة ذات السنتين مغروسة طائر في الجنة وبأقدام مقيدة في الأرض.

السبت، 9 مايو 2015

صدر عامر بالموتى.

لأن أبي قبل أن يموت، حمل الموتى في صدره، زحف إليه الوجع من أعمق نقطة في صدره، من أول ميّت عزيز عليه دفنه هناك، انتفض الوجع وزحف الموت حتى امتد لأقصى أطرافه.
أبي الذي مات وهو لايزال يقاوم الموت ولكنه يحن لأمه وأبيه، وأخته وأخيه، وابنته الذي قطفها الموت باكراً في ملامح الثلاثين الجادة.
لذلك انتفض الموتى بوفاته، فتهندمت الذكريات الشاحبه، واصطبغت بالألوان تلك الصور الرمادية، عادت الذكريات الحزينة دفعة واحدة، فنفض الموت، الموتى من على صدر أبي.
لذلك أمي بدأت تبكي أمها المتوفاة قبل أبي بسنة تقريباً.
لذلك ابنة أختي تشعر لأول مرة باليتم في وفاة والدتها.
لذلك أذكر ملامح عمي جيداً وصوته وضحكه ونكاته.
لذلك أتذكر جارتنا التي لم تنجب وكأني ابنتها، وعمتي البعيدة والتي كانت أول موت يهز طفولتي بدموع أبي، لذلك فتحت سرداباً في حداد أبي، لكل الموتى الذين نفضهم الموت عن صدر أبي، ليطمئنوا إلى صدري، يدخلون بكل هيبة الموت وسكينته وآخرهم يدخل بملامح قريبة من الحياة، بخفة البرزخ، ويغلق الباب على قلبي، لقد كانت خطوات أحبها جداً وافتقدها، لقد كان أبي.