في
مقطع عالق في الذاكرة. مشهد من فيلم يعبر ذاكرتي كطيف. تجلس فيه البطلة تحت الدش.
بينما يقف الجيران والأصدقاء والعائلة عند رأسها. وهي تجلس القرفصاء تحت ماء منهمر
باستمرار. والجميع دون استثناء وبلا هوادة يحاول إخراجها بطريقته من حالتها تلك.
القرفصاء تحت ماء نظيف ومنهمر رغم أنها عالقة في هذه اللحظة كما يظهر منذ مدة
طويلة. يؤكد ذلك لونها
الشاحب وبشرتها التي تعلوها زرقة طفيفة ورعشات تتناوب عليها بين الفينة والأخرى.
بينما
يثير الفيلم والمشهد الإزعاج في نفس كل من كان معي في تلك اللحظة. لكن جزء من
داخلي كان يرحب باللقطة. يشعر بالراحة لهذا المشهد، قرفصاء تحت ماء منهمر ومستمر. كنت أجدها مساحة من شعور نظيف وخالي من الجراثيم
وجديد كلياً مثل كل البدايات. بدون تلوث. عرفت حينها أنني إنما أعاني من مشكلة
دفينة لا يمكن تبيانها في حياة مزدحمة.
وسواس
قهري مثلاً! لا أعلم. لكن هذا المشهد يعود مجدداً مع صراع كورونا. وخوف ليس من
الموت أبداً. بقدر الخوف من المجهول. الخوف من ماذا بعد. يسحبني من روحي ويرميني
تحت الدش أجلس القرفصاء تحت ماء نظيف ومنهمر. تسطع الأرضيات جراء الكلوركس
والديتول. وتلمع المقابض بالمناديل المعقمة. وتلقى الأكياس مصرعها دوماً في برميل القمامة. المسحات الطبية
والبخاخات المعقمة في كل جهة وعند كل زاوية.
ودورات
مياه تغسل بعد كل استخدام. لدرجة تصل بي أن أفكر في استئجار شركة تنظيف الحرم "تفزع
معي هالفترة بس". شعور بسيط عن التربيت والتطمين. حتى لو رد بعضهم؛ طيب بس غرفتك
ليست بالغة الترتيب والنظافة؟ غرفتي مرتبة بطريقتي الخاصة أعرف تماماً ماذا يوجد
في كل زاوية. بطريقة تهدئ من الضجيج في رأسي.
العزلة
تولد الرهبة. الرهاب من الآخر. من طريقة حديثة الرتيبة والمتوالية والمزعجة
والحادة. من الآخر وعاداته السيئة والمحفزة للقلق والتوتر والإنزعاج. من الآخر
وتمحيص النوايا والتشكيك في الرواية والتدقيق في القصة. من الآخر وافتراض سوء
النية دوماُ ليجعلك ضحية تحت التبرير على طول. من الآخر وعدم اهتمامه بالتفاصيل
الملحّة مثل اختيار مكان جلوس مناسب وتافه وسخيف يكمل ترتيب المجلس.
والإكتئاب
وليد الطاقات الكبيرة والقدرات الخارقة. كيف يفكر بسرعة في كل التفاصيل الدقيقة.
كيف يسمع بأكثر من أذن. كيف يفسر بأكثر من رأي في الدقيقة الواحدة. فيصبح رأسك
إعصار أو دوامة أو بركان قابل للإنفجار. لذلك سيهدئ من روعك قرفصاء تحت ماء منهمر
ومستمر.
تقول أمل السويدي
" نحن في مواجهة عدو غير مرئي ولكنه يملأ الأرجاء".
يصلك
تنبيه لتغريدة مفضلة "فرضت علينا جائحة كورونا أن نفقد مؤقتا أهم شروط
السعادة التي كانت في حوزتنا دون أن ننتبه إليها، وهي الحياة الطبيعية والبسيطة
كما نعيشها يوميا وبكل ما تبدو عليه من "تفاهة": المشي في الشارع،
التجول في الحديقة، رياضة الصباح، الثرثرة في المقهى، الذهاب إلى السوق، السفر إلخ".
وينتهي
يوم آخر حيث بدأ آخر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق