الاثنين، 23 أبريل 2018

جرعة تيه مكثفّة.

استووا .. وسدوا الخلل*

أنفض سترتي إلى الخلف وأقف بظهر بالكاد يستقيم، أرهقه التعب، أتحسس جيوبي ومفاتيحي ومحفظتي أبحث عن فرجة أدخلت لحياتي كل هذا الخلل

أرفع مكبراً وأتذكر بينما فعلت ذلك في  الصلاة على أبي، يتخلخل قلبي حينها فأجمع كفّي عليه في محاولة باهتة للتهدئة
هذا اليوم يقفز من الذاكرة

هناك مايقوله أبي دائماً لنتوجه للصواب* ومنذ وفاته وأنا أطرق باب الخيبات دون توقف ومن دون أن تفتح.

وقد بلغت من التيه عتيا، ذلك التيه الذي يجعلك شغوفاً بكل مايمكنه العبور من خلال ويمكنه لمسك
الشغف بجمع القطع النقدية القديمة وكأن حياتك لاتستقيم دونها. ثم الشغف بالقراءة وكأنك مسجون داخلها، ثم الاستغراق في العزف كنوع من التخدير الأنيق
لكن أن تجد نفسك مهتماً بتغريد نوع من العصافير، ثم جمع السحالي النادرة، بعد ذلك الصور القديمة والأجهزة القديمة والأغاني القديمة، بعدها تكون مهتماً بالتطريز والنقش بالإبرة على راحة الكف.. فهنا أمر ما وملحّ يخبرك بطريقة مكلفة ومزعجة ومصرّة أنك تشعر بالتيه
لا بأس من أن تبكي أبيك في كل ليلة كما ولو كانت ليلة وفاته، فقط لتقف في صباح اليوم التالي أكثر تركيزاً وإصراراً لتكون أب مجدداً وصالحاً للإستخدام. أب مثالي لايترك التيه ميراثه


ربما!

الأربعاء، 4 أبريل 2018

عيد الأم بأي حال عدت ياعيد.

في عيد الأم .. كلاكيت ثاني مرة.

واحنا نقلب صفحات المنيو اقترب النادل وهو مبتهج اسمي غضنفر ونحن نحاول بصعوبة فهم انجليزيته الهندية .. نتحلق حوله أكثر حتى فهمنا أن المطعم يقدم طبقاً مجانياً بمناسبة عيد الأم. أنهى جملته ببالغ الابتسامة. ابتسمنا بدورنا لكن هناك شيء انكسر.
حتى أن الفوز بطبق مجاني أو أن كل الأطباق ستكون مجانية لن يختلف الأمر بينما أبناء أختي المتوفاة يحاولون الضحك والتغلب على الورطة المفاجئة وبينما أنا أتحسس بطني الفارغ.

لا أعلم إن كان هذا النص مكتوب بفعل الهرمونات أو المناسبة أو الأمومة مع وقف التنفيذ _ أفكار شاقة _

هذه الهرمونات مثل ساعة رملية كل مرة تخبرني بطريقة موجعة ومرهقة أن الوقت بدأ في النفاد وأنني في طريقي للتحول إلى قطعة أنتيك جميلة لكن بالية. مثل ساعة مؤقتة ستفسد.

أتعرى بالكامل وأدس نفسي داخل اللحاف وأنا أفكر في أول شخص وصف التعري الروحي بطريقة "أفك أزرار صدري" أود فعل ذلك وأنا أختنق وكأني داخل قطعة جلد سميكة وثقيلة وطينية ولم تجف بعد منذ آدم. أدخل ثقيلة في فراشي منطوية وخالية من أي رغبة سوى التخفف من الحزن.
لو كانت هناك يد لم تتعلم الكتابة بعد لتمسح على انحناءات ظهري ووجعي بكف لاتعرف العد بعد .. فينبت قلبي.

يتحول لحافي إلى مزرعة أشواك، أنتقل من سريري لأتوسد رخام الغرفة وأنا أفكر في أول من جلس القرفصاء بكامل حزنه ووحشته ليحتضن روحه. أرتب أكتافي وأنا أفكر في كل ابنائي القادمين وقد تجاوزت العمر الذي سأستقبلهم وأنا أكثر منهم حماساً ورغبة. فقط الآن وكأي أم عتى عليها الزمن لتعامل أول ابنائها كطفل أخير وفي تفاوت كبير في التمسك بالحياة _ ابن يقبض على الحياة بكل ضحكته وقوته وأم تحاول أن تجعل الحياة تتسرب من بين يديها _

طاقة اللاشعور تفوق الرغبة، ليتحول ابن السنتين لأكبر من ذلك وكأنه في الثلاثين من عمره.

أتخفف مني.

كنت أتخفف من البشر لوقت طويل، والآن بدأت أتخفف مني قطعة، قطعة.
هكذا تبدأ الفكرة، في التخلص من كل ماهو زائد عن الحاجة، عن العاطفة، عن الرغبة، عن الجسد.
أحاول الوصول بعد يوم مرهق بالكامل من كل اتجاه للمغطس، أتخفف في طريقي إليه من ملابسي، ولا أحمل فكرة مخيفة واحدة أو أدنى من ذلك عما إذا شاهدني أحدهم الآن.
أندس في حضن ماء فاتر مثل حلم، تلمس أطراف أقدامي أطرافه. وأمد يدي ناحية ريموت كونترول وأغلق على العالم.
أطفئ هذا الضجيج بالكامل بضغطة زر، بكل المشاعر المتخبطة والحادة والمستمرة، أطفئ القلق والخوف والخوف مرة أخرى والتوتر، أطفئ على كل الوجوه التي يملؤها الحماس لأنها تزعجني وتذكرني بانطفائي ورماديتي وهالتي الباهتة، وإطفئ عن كل من يملك روحاً قاتمة وأياماً قاحلة وإضطرابات وجدانية مثلي كذلك، فأنا في غني عن من يذكرني بي.
في حوض الإستحمام، بدون موسيقى هذه المرة، بعض الأصوات في الخارج تسترعي الانتباه، مثل سيارة على عجل من أمرها، رياح تفتعل شجاراً  مع الشجر، أبواب مسنّة تحاول الإستناد أكثر على الصرير، نوافذ مشغولة بالنميمة، كلاب تدرك خطورة الموقف وتخونها اللغة، قطط تتجاوز الأمر، أعمدة إنارة تتعلم التصفير، كل ذلك متاح للإستماع هذه المرة.
تتجاوز أمي طاقة الإنطفاء، تقرع الباب بقوة فأنكمش على نفسي مثل جريمة.
تحاول التخفيف من ذلك وهي تردد " لاعاد تخوفيني عليك .. خفت تفكرين تقتلين نفسك مثل فلانة يوم غرقت".
لايهم أخرج من حضن الماء، تجتاحني برودة تستفز منابت شعري، تنساب قطرة ماء حتى آخر ظهري، مثل آخر سكون. أسحب روب الاستحمام في كسل ترسم ملامحه بقايا الماسكرا أسفل عيني.
أبتسم في وجه أمي وأنا أردد "لعن الله الشرف _ لعن الله القبيلة _ لعن الله المزاج الحاد _ لعن الله التسلط _ لعن الله الشك _ ولعن الريبة _ لعن الله الصحراء من قبيلة".