الأحد، 5 أبريل 2020

صوت ذاكرة ملحَة.

أفتتح هذا الصباح على صياح ديك قادم من بعيد. لثقل صوته تظن أنه قادم من الماضي لامحالة، وخاصة في حارتنا التي غادرتها أصوات الملائكة مذ مات أبي؛ ولم يسمع فيها إلا صوت الشياطين. صوت كلاب شرسة تُفزع الليل بنباحها دون توقف مثل نعي. تفزع أمي كل ليلة وهي تردد في صوت بدوي وهامس "يهيب..يهيب".
‏تنفض أياديها مراراً وتكراراً.
‏هذا نباح كلاب القرية يوم ماتت كركوبة، هذا صياحها يوم موت العود، هذا نباحها يوم مات خالي.
‏لطالما كنت طمأنينة لخوف أمي. دون أن تطبطب كف مجعدة على خوفي.
‏اقشعر بدني كتيار كهربائي يعبر أطرافي ويحيط بخاصرتي.
لكن هذا الصباح جاء مبشراً بصوت ديك لازلت أجهل تماماً هل كان قادماً من حارة مجاورة أو من طفولتي.
‏في مرحلتي الابتدائية وأنا أستعد للمدرسة قبل أن يعود أبي من الصلاة في نشوة ملعونة. النشوة التي أعد فيها زي المدرسة من الليلة السابقة. المريول المعلق من أكتافه والقبة البيضاء الموردة، وحقيبة لا تختلف عن مثيلاتها في تلك المرحلة.
‏وشريطة أحرص عليها لا لأحافظ على أناقتي الدراسية بقدر حفاظي على بروش المثالية.
‏فالمراكز الأولى ليست ذات أهمية ولا التنافس عليها من اهتماماتي ما دمت غالباً سأكون الأولى أو الثانية على الدوام. لكن رعب أن أخسر المثالية يتركني في منافسة طوال السنة.
‏لكن ليس ذلك سر النشوة كل صباح!
‏النشوة الملعونة. التي توقظني قبل الفجر لأستعد للمدرسة. أكاد من خفة روحي أن أطير. أقوم حينها بدور عصفور الصباح أطوف المنازل القريبة لأوقظ فيها بنات عمي ليستعدوا كذلك. أحاول قدر الإمكان تقديم المساعدة لتسريع الوقت. كل البيوت المجاورة.
‏اركض بين البيوت بثوب رمادي يعيق الركض والوصول.
‏امنح المساعدة إن لزم الأمر أو لم يلزم. أرتب المناديل لبنت عمتي حتى لا تقضي وقتاً أطول في ترتيبها بينما هي تستعد. ثم أغادر لأوزع جدول بنت عمي لاختصار الوقت. وأنا أراقبها تزين شعرها بهدوء فاتن وتقضي وقتاً طويلاً في اختيار المناديل المناسبة لتزين كعكة مدورة وقصة ناعمة تنسدل على جنب.
أفتقد هذه السكينة.
‏عمتي التي تصر على ألا تغادر ابنتها قبل أن تنهي فطورها. وأنا أجهز فطورها وبحركة من رأسي أحاول اقناع عمتي بأنه يمكنها أن تنهي فطورها في السيارة.
‏جمس أحمر. سائق من الجنسية الاندونيسية بالكاد يبلغ المرتبة لضآلة جسده.
‏أجلس بجانبه بينما تتكدس المراتب في الخلف بالقريبات.

‏التفت للخلف للتأكد من اكتمال العدد اضرب على طبلون السيارة في إشارة للاستعجال. فهناك نشوة ملعونة للركض والتحليق واللحاق بالمدرسة بأقصى سرعة ممكنة.
‏يتم توزيع البنات على مدارسهن. مدرسة ثانوية ومتوسطة ثم يحين التوقف عند مدرستي الابتدائية في المرتبة الأخيرة.
‏أتفقد أدواتي. زمزمية، شرائط بيضاء بأطراف مزينة بعود كبريت بشدها بطريقة معتادة وغير ملحوظة مجدداً؛ للتأكد من ثباتها حتى نهاية اليوم.
‏أتفقد حقيبتي. حقيبة ظهر وردية مع أطراف رمادية. لكن لا أجدها. لقد تركتها عالقة على درج المنزل.
‏فتعود النشوة الملعونة تجر أقدامها بثقل بالغ.
‏فحتماً لن تتمكن من تقديم الإذاعة المدرسية هذا الصباح رغم كل التجهيزات والترتيبات التي سبقت ذلك. بدقة متناهية.
‏تعود ثقيلة لتصطحب حقيبتها.

20 مارس 2020




في مقطع عالق في الذاكرة. مشهد من فيلم يعبر ذاكرتي كطيف. تجلس فيه البطلة تحت الدش. بينما يقف الجيران والأصدقاء والعائلة عند رأسها. وهي تجلس القرفصاء تحت ماء منهمر باستمرار. والجميع دون استثناء وبلا هوادة يحاول إخراجها بطريقته من حالتها تلك. القرفصاء تحت ماء نظيف ومنهمر رغم أنها عالقة في هذه اللحظة كما يظهر منذ مدة طويلة. يؤكد ذلك لونها الشاحب وبشرتها التي تعلوها زرقة طفيفة ورعشات تتناوب عليها بين الفينة والأخرى.
بينما يثير الفيلم والمشهد الإزعاج في نفس كل من كان معي في تلك اللحظة. لكن جزء من داخلي كان يرحب باللقطة. يشعر بالراحة لهذا المشهد، قرفصاء تحت ماء منهمر ومستمر.  كنت أجدها مساحة من شعور نظيف وخالي من الجراثيم وجديد كلياً مثل كل البدايات. بدون تلوث. عرفت حينها أنني إنما أعاني من مشكلة دفينة لا يمكن تبيانها في حياة مزدحمة.
وسواس قهري مثلاً! لا أعلم. لكن هذا المشهد يعود مجدداً مع صراع كورونا. وخوف ليس من الموت أبداً. بقدر الخوف من المجهول. الخوف من ماذا بعد. يسحبني من روحي ويرميني تحت الدش أجلس القرفصاء تحت ماء نظيف ومنهمر. تسطع الأرضيات جراء الكلوركس والديتول. وتلمع المقابض بالمناديل المعقمة. وتلقى الأكياس مصرعها دوماً في برميل القمامة. المسحات الطبية والبخاخات المعقمة في كل جهة وعند كل زاوية.
ودورات مياه تغسل بعد كل استخدام. لدرجة تصل بي أن أفكر في استئجار شركة تنظيف الحرم "تفزع معي هالفترة بس". شعور بسيط عن التربيت والتطمين. حتى لو رد بعضهم؛ طيب بس غرفتك ليست بالغة الترتيب والنظافة؟ غرفتي مرتبة بطريقتي الخاصة أعرف تماماً ماذا يوجد في كل زاوية. بطريقة تهدئ من الضجيج في رأسي.
العزلة تولد الرهبة. الرهاب من الآخر. من طريقة حديثة الرتيبة والمتوالية والمزعجة والحادة. من الآخر وعاداته السيئة والمحفزة للقلق والتوتر والإنزعاج. من الآخر وتمحيص النوايا والتشكيك في الرواية والتدقيق في القصة. من الآخر وافتراض سوء النية دوماُ ليجعلك ضحية تحت التبرير على طول. من الآخر وعدم اهتمامه بالتفاصيل الملحّة مثل اختيار مكان جلوس مناسب وتافه وسخيف يكمل ترتيب المجلس.
والإكتئاب وليد الطاقات الكبيرة والقدرات الخارقة. كيف يفكر بسرعة في كل التفاصيل الدقيقة. كيف يسمع بأكثر من أذن. كيف يفسر بأكثر من رأي في الدقيقة الواحدة. فيصبح رأسك إعصار أو دوامة أو بركان قابل للإنفجار. لذلك سيهدئ من روعك قرفصاء تحت ماء منهمر ومستمر.
تقول أمل السويدي " نحن في مواجهة عدو غير مرئي ولكنه يملأ الأرجاء".
يصلك تنبيه لتغريدة مفضلة "فرضت علينا جائحة كورونا أن نفقد مؤقتا أهم شروط السعادة التي كانت في حوزتنا دون أن ننتبه إليها، وهي الحياة الطبيعية والبسيطة كما نعيشها يوميا وبكل ما تبدو عليه من "تفاهة": المشي في الشارع، التجول في الحديقة، رياضة الصباح، الثرثرة في المقهى، الذهاب إلى السوق، السفر إلخ".
وينتهي يوم آخر حيث بدأ آخر.

18 مارس 2020

18 مارس 2020
وددت لو علمت يقيناً ردة فعل أبي رحمه الله. على هذه الفاجعة بالتحديد.
‏فلطالما شعرت أنه يعمل تماماً لمثل هذه الظروف. ربما سيضع يده خلف ظهره وهو سائراً ويردد بيقين العارف كعادته "كنت حاس".
‏ربما سيكون آخر من يغلق أبواب المسجد من خلفه.
‏ربما سيقطب حاجبيه ويتمتم في غضب وهدوء في ذات الوقت، بطريقة لا يتقنها غيره. الغضب المبجل والمهيب.
‏كيف لطالما عمل لمثل هذه الظروف؟
‏حسناً كان دائماً ما يسعى لصناعة وطن داخل وطن. يحاول توفير مستلزمات الحياة الضرورية حتى ينعم بها آخر حفيد. هكذا اختار مجالات عمله "سوبرماركت ملاصقة للمنزل وفي يوم ما كانت بباب خلفي يفتح للمنزل حتى تكون متاحة للتسوق حتى في منتصف الليل".
‏هكذا هو الأمر.
‏ثم قرار امتلاك محطة بنزين ملاصقة للسوبرماركت حتى يمكننا تحت أي ظرف طارئ العيش في سكينة.
‏ثم أضاف لأعماله قاعة أفراح.
‏تمر هذه الأزمة وأنا أتذكر أزمة مشابهة لها. أزمة الخليج بصور ضبابية تعبر الذاكرة. بينما استأجر فيلا كاملة جمع فيها كل أقاربنا من الدرجة الأولى. ثم ملأ المستودعات من المخزون الغذائي كبقالة مصغرة لكن في دور أرضي لبيت عتيق.
‏أكثر ما علق في ذهني هي فريزر آيس كريم يحوي كل أنواع الآيس كريمات تحت تصرف جيش من الأطفال بقيادتي.
‏ثم تثبيت زجاج النوافذ بأكياس الزبالة السوداء فأخيراً توفير فوانيس تعمل بالقاز ولازلنا نحتفظ بها حتى اللحظة.
‏لطالما كان أبي متأهباً لظروف مثل هذه ليفرد فيها عضلات تجارب عصيبة عاشها من قبل.
‏كيف يكون انسان خارق وابتدأ من تحت الصفر في ظروف لايمكن أن يخرج منها كائن حي مستقراً عدا أن يخرج باستقرار مادي وأسري يكفي حتى جيل عاشر من أحفاده. إلا أن يكون عظيماً.
‏تخيل أن تكون عظيماً جداً ثم تعيش حياة عادية لاتستحق كل ماعانيته من تجارب وكل ماحصلت عليه من دروس ومصاعب خلقت فيك عوالم متزاحمة وممتلئة.
‏ثم تلوح لك حياة بليدة وبدون تحديات تذكر. ولاتفرح بظروف قاسية تمكنك من فرد عضلاتك المعرفية لمواجهة الصعاب.
‏هكذا لطالما كان أبي رجل المهمات الصعبة.
‏ربما نشأته كيتيم قاسى الجوع والخوف والحاجة ثم بنى وطناً مترامي الأطراف يتركه دائماً في حاجة ملحّة للسكينة وحماية عائلته من وجع مشابه.
‏أتذكر بحكم أني جئت متأخرة جداً. وقد استقرت الحياة بالكامل دون الوقوف شاهدة على ذلك القلق. ملامح بسيطة من تعبه وشقائه ما تمنحه القصص المكررة وما تغفل عنه كذلك القصص المكررة. دون أن أتمكن من الطبطبة عليه والشد على أكتافه.
‏لكن لطالما تذكرت ابتسامته في كل مرة يسمع (ألم يجدك يتيماً فآوى)
فيشير إلى صدره وكله رضا.
‏(ووجدك ضالاً فهدى) وهو يقر بأنه لأربعين سنة لم تفته تكبيرة الإحرام.
‏(ووجدك عائلاً فأغنى)وفي كل مرة يستشهد بقصة من جوعه وصبره ويتمه  دون أن تنتهي قصصه أو تبلى.
‏وهو يكرر "فلان يوم مات سعد يقول وش نفعته فلوسه فيه ما يدري أن اخوي سعد كافل أيتام وفاتح بيوت".
‏وبذلك خلق سقف عالي جداً للتطلعات. عائلة كبيرة وأعمال ناجحة ورجل أعمال من الصفر ثم زوجة ذكية ومساندة وأبناء أذكياء وشغوفين واستقرار مثالي. وتسبيح وذكر ودهاء وردود قاصمة. ثم اعتداد بالنفس مع تواضع.
‏سقف عالٍ انقشع كلياً بوفاته.
‏لذلك اختلت الموازين في عائلتي حتى فقد الجميع اتزانه. وددت لو علمت يقيناً ردة فعل أبي"رحمه الله" على هذه الفاجعة بالتحديد.
‏فلطالما شعرت أنه يعمل تماماًلمثل هذه الظروف.ربما سيضع يده خلف ظهره وهو سائراً ويردد بيقين العارف كعادته."شفتوا كنت حاس
‏ربما سيكون آخر من يغلق أبواب المسجد من خلفه
‏ربما سيقطب حاجبيه ويتمتم في غضب وهدوء في ذات الوقت
‏كيف لطالما عمل لمثل هذه الظروف؟
‏حسناً كان دائماً مايسعى لصناعة وطن داخل وطن. يحاول توفير مستلزمات الحياة الضرورية حتى ينعم بها آخر حفيد. هكذا اختار مجالات عمله "سوبرماركت ملاصقة للمنزل وفي يوم ما كانت بباب خلفي يفتح للمنزل حتى تكون متاحة للتسوق حتى في منتصف الليل.
‏هكذا هو الأمر.
‏ثم قرار امتلاك محطة بنزين ملاصقة للسوبرماركت حتى يمكننا تحت أي ظرف طارئ العيش في سكينة.
‏ثم أضاف لأعماله قاعة أفراح.
‏تمر هذه الأزمة وأنا أتذكر أزمة الخليج بصور ضبابية بينما استأجر فيلا كاملة جمع فيها كل أقاربنا من الدرجة الأولى. قثم ملأ المستودعات من المخزون الغذائي كبقالة مصغرة
‏أكثر ماعلق في ذهني هي فريزر آيس كريم فيه كل أنواع الآيس كريمات تحت تصرف جيش من الأطفال بقيادتي.
‏ثم تثبيت زجاج النوافذ بأكياس الزبالة السوداء ثم أخيراً توفير فوانيس تعمل بالقاز ولازلنا نحتفظ بها حتى اللحظة.
‏لطالما كان أبي متأهباً لظروف مثل هذه ليفرد فيها عضلات تجارب عصيبة عاشها.
‏كيف يكون انسان خارق وابتدأ من تحت الصفر في ظروف لايمكن أن يخرج منها كائن حي مستقراً عدا أن يخرج بإستقرار مادي وأسري يكفي حتى جيل عاشر من أحفاده.إلا أن يكون عظيما
‏تخيل أن تكون عظيماً جداً ثم تعيش حياة عادية لاتستحق كل ماعانيته من تجارب وكل ماحصلت عليه من دروس ومصاعب خلقت فيك عوالم
‏ثم تلوح لك حياة بليدة وبدون تحديات تذكر. ولاتفرح بظروف قاسية تمكنك من فرد عضلاتك المعرفية لمواجهة الصعاب.
‏هكذا لطالما كان أبي رجل المهمات الصعبة.
‏ربما نشأته كيتيم قاسى الجوع والخوف والحاجة ثم بنى وطناً مترامي الأطراف يتركه دائماً في حاجة ملحّة للطمأنة وحماية عائلته من وجع مشابه
‏أتذكر بحكم أني جئت متأخرة جداً. وقد استقرت الحياة بالكامل دون الوقوف شاهدة على ذلك القلق. ملامح بسيطة من تعبه وشقائه ماتمنحه القصص المكررة وماتغفل عنه كذلك القصص المكررة. دون أن أتمكن من الطبطبة عليه والشد على أكتافه.
‏لكن لطالما تذكرت ابتسامته في كل مرة يسمع(ألم يجدك يتيماً فآوى)
فيشير إلى صدره وكله رضا.
‏(ووجدك ضالاً فهدى) وهو يقر بأنه لأربعين سنة لم تفته تكبيرة الإحرام.
‏(ووجدك عائلاً فأغنى)وفي كل مرة يستشهد بقصة من جوعه وصبره ويتمه  دون أن تنتهي قصصه أو تبلى.
‏وهو يكرر"فلان يوم مات سعد يقول وش نفعته فلوسه فيه مايدري أن اخوي سعد كافل أيتام وفاتح بيوت"
‏وبذلك خلق سقف عالي جداً للتطلعات. عائلة كبيرة وأعمال ناجحة ورجل أعمال من الصفر ثم زوجة ذكية ومساندة وأبناء أذكياء وشغوفين واستقرار مثالي. وتسبيح وذكر ودهاء وردود قاصمة. ثم اعتداد بالنفس مع تواضع.
‏سقف عالٍ انقشع كلياً بوفاته.
‏لذلك اختلت الموازين في عائلتي حتى وصلت حد الهرمونات كزلزال.

كيرم أو شطرنج.


إذا حدث ووجدت نفسك مستلقي على ظهرك متمدداً على ظهر صوفا سويدية وبكل أريحية تبحث في قوقل عن " طرق لقضاء وتمضية الوقت في زمن كورونا".
ستجده يحمل لك الكثير من الروابط والمقالات والأفكار والتوصيات التي لاتعد ولاتحصى.
فقد ازدهرت القوائم بشكل مبالغ فيه مؤخراً.
قائمة بالمستلزمات الأساسية للتسوق، قائمة للترتيب وتنظيف المنزل، جدول للطبخ، أفكار لاستغلال الوقت من تعلم مهارة أو تحسين لغة أو تجديد حيوية جسدية بممارسة الرياضة. بل حتى أني وجدت أن تعلم الحياكة والخياطة والتفصيل جزء من الخطط المتاحة للتغلب على الوقت.
ستجد قائمة بالمسلسلات المفضلة والأفلام الحائزة على الأوسكار، بل وأكثر من ذلك في اختيار أفلام تشابه في فكرتها الرئيسية العزلة والحجر والاحتجاز.
أفلام مثل فيلم توم هانكس على جزيرته النائية، فيلم بابليون عن مساجين في فرنسا يتم نفيهم لجزيرة نائية يواجهون فيها التعذيب واليأس قبل إقرار الإعدام.
ثم قائمة طويلة بأفلام الموقع الواحد؛ والتي يتم تصويرها في موقع واحد طوال مدة الفيلم. منها فيلم كامل لشخص يقضي أشغاله في السيارة، وآخر تقضيه مختطفة في غرفة طوال مدة خطفها""room.
قائمة بالعطور الرقيقة والمنعشة والتي من الممكن أن تلطف هذا الوقت وتتركه يمضي في سكينة.
ثم آراء مهمة تشيد بالزراعة وتحديات في انشاء حديقة غناء خلال عشرين يوم.
ثم انتفضت النستولوجيا وجاءت بالذكريات دفعة واحدة، كيرم ومنوبولي والسلم والثعبان، مسلسلات قديمة مثل جواهر وعائلة سبعة نجوم وغوار الطوشي. أفلام الكرتون ويأتي في مقدمتها هايدي والليدي لين وسالي وسانشيرو وكأن هذا الاحتجاز العائلي شعور قديم ولايمكن أن يكون غير ذلك.
حتى أنني متأكدة من أنه قد مرعلى مسمعك الكثير من التعليقات على شاكلة " ألعب كيرم وأمي تجهز العشاء باقي أحل واجب الإملاء وأنام". هي التعليقات الدارجة مثل نار في الهشيم.
وبخلاف الشعور بالقلق جراء هذا الوباء والتوتر في كل مرة يتم فيها إعلان عدد الحالات والإرشادات والمدن التي تطالها يد الحجر ومنع الدخول إليها والخروج منها وكل قلق البقاء والحماية والتباعد الاجتماعي.
ينشأ قلق على جبهة جديدة تماماَ وأنت في غنى عنها.
جبهة تنهش روحك من الداخل. عنوانها "يجب عليك وإلزاماً استغلال هذا الوقت المجاني والمتاح والمدفوع في أمر يعود إليك بالفائدة. أو ستخرج من قائمة الناجين وستكون وجبة دسمة للفشل"
قلق الوصول للمكانة ربما.
عندها ستشعر أن مرور يوم عادي في صحة وعافية وفي هدوء وسكينة فشل ذريع مادام انتهى خالياً من الإنجازات.
إدمان النشاط والانجاز والنجاحات ربما. والوقوع تحت ضغط هائل من الآخرين يجعل منك تحت قلق مضاعف.
أما أنا فسأخبرك أن تسترخي.
أن تقرأ إذا شعرت أنك ترغب في القراءة.
أن تكتب إذا أردت الكتابة.
أن تكتب قائمة يومية لإنجازها إذا كنت فعلاً ترغب في ذلك وليس مجرد استجابة لصوت حاد ومزعج "لكيفية استغلال الوقت".
فهذا الوقت لم يولد اليوم ولن يموت غداً، لكنه عمر يمر منذ أن ولدنا، لذلك أن تقضي يومك في مشاهدة مسلسلك الساذج والسخيف والذي لم يفز بالأوسكار بل وعلاوة على ذلك كان وجبة دسمة للنقاد، فهذا خيارك.
أن تمضي الوقت المتاح في قيلولة لذيذة تجدد بها نشاطك وذهنك وتستمتع بكسلك، فأنا معك.
أن يمضي الوقت بأكمله في لعبة كيرم لا تنتهي أو سخافات عائلية ستغدو ذكريات جميلة، أو حيرة بين اختيار إكمال لعبة كيرم أو بدء لعبة شطرنج. الضحك على القصات التي يولدها الحظر أو حتى يمر الوقت فقط في محاولات البحث عن إجابة ما هو أول أمر ستقوم به بعد زوال هذه الغمة؟ ماذا بعد كورونا؟
لكان كافياً ومنعشاً. ولكان خيراً لك.
ليس مطلوباً منك سوى يوم هادئ ولطيف تقضيه في عزلة. استجابة للتباعد الاجتماعي. وعدى ذلك متروك لك بالكامل.