الأربعاء، 2 سبتمبر 2020

طرف ثالث للبتر.

 

طرف ثالث.

بينما هي توشك على الانتهاء من غسل فناء المنزل الخارجي. حتى بدأت مربعات البلاط المرقعة بين الأبيض والأسود تشع مجدداً. فناء منزلهم البالي. وقد رفعت قميصها القطني المخصص لمثل هذه المهام ثم جمعته على خصرها بعدما انتشرت عليه بقع مبيض الغسيل كالنار في الهشيم. بشعر نصف مبتل ونصف مرفوع. بحياة تقف في المنتصف. وهي تقف مجدداً على نهاية المهمة لتسحب لي الزريعة لتشطف به أقدامها المتسخة كرفع شارة النهاية بتمام مهمتها الأسبوعية.

في منظر سريالي بحت ولو كان يحدث باستمرار في حارة صغيرة وبعيدة عن وسط المدينة. لكنه يحدث بالفعل بمنتهى الغرابة. تشطف آخر بقع طينية وتشطف أقدامها تباعاً. فيزاح الطين من ساقيها فيلتف حول كعبها المتصلب ثم ينتهي سريعاً هارباً نحو المربعات المرقعة بالأبيض والأسود وينتشر بعيداً حتى لا يكاد يبين. يفعل ذلك مثل سجين هارب. يتلاشى في دوائر. كل ذلك يعيدها لتلك اللحظة الخالصة من قبل.

تستيقظ من تلك اللحظة والتي طافت بها في دوائر بفزع على صوت أمها. الصوت المرتبط بالفزع.

يأتي حاملاً أمراً في طياته ويستعجل لحظة شرود محتملة تعيدها لدوائر الطين القابعة تحت أقدامها.

لطالما اعتبرت نفسها هذه البقعة وكأنما قد غسلها سعود عن أقدامه مؤخراً وهو يخبرها بمدى رغبته في الزواج من حبيبة عتيقة وقد عاشا بعض اللحظات سوياً قبل أن يعرفها. ويسهب في ذكر لحظاتهما معاً وذكرياتهما معاً مستطيباً بالذكريات وكأنما هو يكرر غسل أقدامه عنها هي.

تستيقظ مجدداً على صوت أمها مكرراً أوامره المركونة بصوت قاطع " لعبتي في الماء".

تتنبه للماء وقد تحلّق حول أقدامها محاولاً خلق بركة. تغلق الصنبور وتركن مكنستها على الزاوية وتدخل وهي تعصر طرف قميصها بيديها في استراحة محارب لمواجهة القادم من مزاج متعكر.

تبدأ في خلع قميصها ليصادف ذلك وقوفها أمام المرآه. فعلت ذلك في هدوء وهي تزاحم فكرة خلع سابق. بينما هي تسقط رثة مثل قميص بال. حتى جسدها أصبح يشعرها بالفقد. فقد كل تلك الكلمات التي طالما كررها سعود على مسامعها. في كل لحظة جمعتهم سوياً. خلال سنة زواجهم الأولى. كل كلمات الغزل التي لم تسمعها من قبل والتي ظنت أنها مخلوقة من أجلها. تنظر عن كثب وهي تحرك يدها على منعطفات جسدها بينما تتذكر يده تحاول رسمها وهو يكرر "ولا غلطة ". كيف صنعت منها هذه الكلمة ملكة اللحظات القادمة في كل اجتماع عائلي وفي كل مناسبة. تركتها هذه الكلمة تصادق الفساتين الأنيقة وتصبح رفيقة الدانتيل والشيفون والحرير. كيف كانت على علاقة وطيدة بالألماس والذهب. تتذكر ذلك وهي تحاول فتح درج التسريحة المتعثر بمساميره الصدئة والمنعكفة في محاولات إصلاحها الأخيرة له. بالكاد يفتح عن حقيبة مجوهرات صغيرة .. لم يبقى داخلها سوى خاتم ألماس وحيد. ساعد في الحفاظ عليه انخفاض قيمته عند محاولات بيعه بقيمة لا تجدي نفعاً. فقط لو كانت قيمة الخاتم في اللحظات التي شهدها أو في التاريخ الذي صنعه أو في الأوقات التي طافت حوله في غرور. لكان هذا الخاتم يستحق أكثر مما عرض له.

يعيدها صوت خارج الغرفة مرافقاً لطرق عنيف على الباب صوت إلى الواقع. وسلسلة من المهمات التي بالانتظار. دون لحظة سلام وسكينة واحدة تتركها تواجه حزنها ووحدتها بعيداً عن الأضواء. وكأنما هي طريقة أمها البدائية في عدم تركها لأحزانها. إلا بصناعة أحزان جديدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق