الاثنين، 15 مايو 2023

من شوَّه سمعة بنت الليل؟

 

اه لو لم تشوَّه هذه الكلمة ومعناها؟ لكنت أنا أولى بها.
بنت الليل!
من سعى في تشويه الصورة الغنية خلف هذه الكلمة، انا ابنة الليل، ابنة السكينة في لياليه الطويلة، ابنة هذا الوقت الفاخر المعتق مثل كأس صافي من الهدوء.
وهذه موسيقى تنتشر مثل حفنة من نعيم تمسَّ شغاف القلب، أفكارك الخالصة والخاصة دون تشويش كشهد مصفَّى.
العقل الذي يتوقف في نهاية اليوم عن الركض وعن القلق وعن الانزعاج والتعب والمحاولات إلا عن الاسترخاء والكتابة أو لا شيء.
وسهري الممتد لعشرين سنة مثل كنز دفين لا يعرفه سواي، قاتم وممتد وخفيف يتهدل مثل قميص ناعم عن أكتافي.
القراءة في هذا الوقت وشموع منثورة في الأفق، ضوء خافت مكثف في زاوية القراءة، كرسي والدي العتيق مثل سيجار بني فاخر، ولا شيء يسرقك من الاستغراق والانسجام التام. وكأنها في كل ليلة إنما هي إعادة خلق.
كيف تم تشويه هذا الاسم الشفاف والأنيق، كأنما هو فستان أسود طويل وعقد من اللؤلؤ الناصع وعطر يطوف حوله مثل هالة يتحرك وينتشر أينما امتد طرف الفستان. إلى تعرٍ فاضح وغنج محبوك مثل صنعة وشعر أجعد وملوَّن ورائحة مبتلة وعفنة وفرقعة علك وضحكات صاخبة كنداءات مكشوفة وواضحة للمارة وعطر فاضح يحاول الوصول إلى أبعد نقطة. وبنت الليل قد قضت تلك الليلة مع عشرة لا تتذكر أسمائهم.
وعشرة أسماء منكرة، انتهوا من مهمة مزاولة رغباتهم، ثم خرجوا من ذلك الباب مسحوا أكفهم الدبقة وبصقوا عليه وقالوا دون اكتراث للكلمة "بنت ليل".
لتنظر تلك الساقطة لهذه الكلمة وكأنها شتيمة، تسقط عند أقدامها وتدعسها مثل علك لزج تحاول التخلص منه، ترى فيه إساءة تنفض أكفها عنه. وربما حتى تتطهر.

الخميس، 2 فبراير 2023

ولادة برعم جديد، يحمل بشارة.

 

لطالما آمنت بكل ولادة، أنها تحمل في داخلها بشرى، هذا الفأل، وكأني أتحوَّل لعجوز يعني لها "دلق القهوة خير" وتظن أن "انكسر الشرَّ" على كل ما ينكسر بدون قصد. حقيقة تؤمن بها عميقاً دون تفسير واضح ولكنها تحملها في داخلها.

وأنا أحمل في داخلي هذا اليقين، أن كل ولادة هي مقابل للموت، وكل ولادة هي مساحة تتمد للحياة مقابل مساحات تتضائل للموت، لذلك هذه الولادة بشرى.

ولادة برعم جديد يعني اخضرار سيحمله لي هذا اليوم.

فاليوم كان هناك أكثر من ولادة، برعم نبات ينمو في مركن الزرع في أقصى الغرفة ودون مراقبة ولا اهتمام بالغ.

 وبينما أعبر موقف عصيب وأنا أطوف في دوائر الغمَّ حول فكرة حزينة، وأفكر في كل ما يمكن أن يجعل هذا اليوم الثقيل يمرّ. دون فكرة واضحة لطمأنينة.

حتى كانت بشارة ولادة حيواني الأليف لثلاثة صغار وهالة الأمومة تطوف في المكان وتنيره.

حمل هذا الخبر المفاجئ هذا الشعور بالسرور.

مسرَات صغيرة.

أعادني هذا الحدث والبهجة به والمسرَّات حوله، لطفولتي في الثامنة من عمري، بينما أطوف في البيت وكأن لي من السعادة أجنحة، لا أركض بينما أطير، لأن "حوش المنزل" في ركن قصي يحتضن ثلاثة قطط صغيرة مولودة.

بينما تنتهي كل ساعات اليوم وكل رغباته في الطواف حول هذه القطط ومراقبتها، بينما تشرب الحليب الدافئ الذي صنعته لها، أو محاولاتها العمياء للوصول  لقطعة الفرش الذي سرقته لها. أو حتى مشاهدتها تحاول بلوغ ثدي لم تكن في المشهد.

مراقبة وترقب وانسجام تام للحظة التي لا تكف فيها قطط صغيرة عن المواء وعن محاولات تبيين طريقها وتلمسه للدفء.

كأنما كل هذا الكون الرحب والصاخب ليس سوى دائرة ضيَّقة مرسومة حولي أنا وحول هذه القطط.

حتى أعادني للواقع وهذا الصخب، توجعي من كوب شاي ساخن ينكسر على ظهري بينما أحاول المرور بين يدي أختي نحو هذه القطط الثلاثة للمرة العاشرة ربما..

هكذا فجأة يسدل الستار على لحظة غارقة في التواصل والانسجام والدهشة ونتحول لمشهد موجع ومتمدد على بطنه ويرضخ للتجارب المنزلية للتخفيف من حدة الحرق.

تطل هذه الطفلة الآن، من بين أكوام السنوات المتراكمة، تحتفي بهذه الولادة من جديد وترى فيها بشرى.

تنسى يوم عصيب مرت به مقابل هذه المسرَّات الصغيرة واعتقاد يشبه "دلق القهوة خير" و"انكسر الشرَّ" مقابل ولادات جديدة تحمل بشرى.

الثلاثاء، 24 يناير 2023

الفتاة التي تحولت إلى شجرة.


كنت أحاول تسلق شجرة هذا كل ما في الأمر، كنت أحاول وضع قدمي الأول على جذع متين من شجرة اللوز، فمن مبادئ التسلق من المهم أن تعرف أين تضع قدمك الأولى.

أتحسس جذع الشجرة المتين، الأشواك البارزة في كل مكان مثل إشارات واضحة للتراجع، بينما أتذكر شجرة التوت في فناء عمي، شجرة السدر وأنا أحاول الوصول لنقطة قريبة تمكنني من التقاط النبق البعيد والشهي، شجرة الجوافة في أحواض الزرع في منزلنا، كل الجواف الطازج واللذيذ الذي التقطته في طفولتي حتى تحوَّل قطف الجوافة في موسمها مثل طقس من طقوس يومي.

لكنني نسيت تماماً كم أصبحت هشَّة مؤخراً، أو كم أصبحت غضَّة ولينة للغاية، حتى أن الأشواك هذه المرة تكاد تصل للعظم، بينما ألعق جروح سببتها هذه الأشواك وأنا أتحوَّل لقطة. تعالج كل شعور لديها باللعق.

ألعق جرحاً حارقاً على ساعدي حتى يصل لكفي، وأنا غاضبة تماماً من قطة على أعلى جذع الشجرة تحاول هي الأخرى لعق كفها، بينما أمتلئ خوفاً من أن تعلق في الأعلى ولن يصل إليها أحد وبالتأكيد لن تحاول العودة لي.

أفكر في تسلق جذع شجرة اللوز ولكن هذه المرة تقفز الأنثى داخلي وكأني لا أرتدي سترة رياضية وساعة لاحتساب الخطوات بل فستان سواريه من الساتان اللامع وبحذاء عالي لخطو خطوات ضيَّقة وراقصة.

أحاول التسلق مرة أخرى وأنا هذه المرة أفكر في أظافري التي صبغتها مؤخراً وخوفي أن تتكسر، بينما تهديني الشجرة الغاضبة جروحاً أخرى على الكف الأيسر.

انفض أكفي الحارقة بينما يسري في دمي الكلوروفيل وكأنما سأخضَّر وأتحوَّل لشجرة. لا ترعبني فكرة العصافير التي ستحوم حول رأسي حتى لو كنت مصابة بالصداع، ولن تكدر خضرتي قطط تهرب من أصحابها وتلعق أطرافها بينما أعين خائفة تترقبها في الأسفل وتلعق جروحاُ سببتها لها، لن يؤذيني أكثر من أني سأقف على الدوام كشجرة منزوعة الحرية في التنقل أو أن يحجبون عني نور الشمس.


الأربعاء، 4 يناير 2023

في بيتنا قطة تشبهني.


    مثل طرف كم عالق تحت جاكيت ضيَّق، كما لو أنك دعست بقدمك أرض رطبة بعدما ارتديت لتوَّك جورباً دافئاً، كياقة قميص مبللة، أو ربما كقالب ثلج يضعه أحدهم من فتحة قميصك لتنساب بين أكتافك على غفلة، قالب الثلج الذي يترك ياقة قميصك مبللة.

صوت الأظافر على الحائط، اصطكاك أسنان ببعضها، فرقعة علك في قاعة اختبارك، صوت منبه في غرفة مجاورة بينما تغلبت أخيراً على أرقك وبعد ليلة طويلة من التعب. اتصال واتس أب.

اصطفاف رف من الكتب بشكل مثالي إلى أن يبرز طرف أحدهم دون اكتراث وبشكل مائل يمدَّ لسانه في وجهك، امتداد السجاد تماماً على مربعات الرخام اللامعة والمعقمة حالاً ولاتزال رطبة جراء المسح بينما ينحرف طرف السجاد مائلاً عن طرف الرخام، لينسكب كوب القهوة من يدك وأنت تحاول تعديل هذا الميلان البسيط ليستقيم.

مثل أكف شوكولا تختار شاشة تلفازك تطبع عليها قبل أن يحرز فريقك المفضل هدف الفوز. وأن يتحوَّل أحمر الشفاه الزاهي من ماركتك المفضلة لقلم تلوين.

هذا الصرير على الأسنان تماماً بينما في بيتنا قطة.

في بيتنا قطة تشبهني، جميلة جداً لكنها لا تعرف ذلك، ذكيّة لدرجة أنني لا يمكنني حبسها في صندوق الرحلات قبل الخروج، أحتاج في كل مرة أن أخلق حيلة جديدة، لديها سمع مرهف وتبدو لامعة جداً وهي تنصت محاولة فهم الأصوات من حولها وتمييزها، فضولها لمعرفة الحياة من حولها دون الاستغراق في هذا الفضول. يكفيها أن تفهم. رغم أنها قطة لكنها لا تموء أكثر مما تنبح. لديها إصابة بالغة ربما عضّة كلب في نحرها الطويل مما جعلها في خوف دائم وفي حدَّة. مرتابة على الدوام ولا تحب أن تمتد يدي إليها تمسَّدها قبل أن تطلب هي ذلك. لكنها لا تكف عن الدوران حولي ومسح وجهها في ساقي بينما ترفع ذيلها كناية عن الحب بمجرد أن أنتهي من معالجة جرحها أو أن أقدم لها الطعام.

ورغم ذلك قضيت اسبوعاً كاملاً في صرير أسنان من شعور على الدوام مزعج، أن ترتاح قطة على حجري وأنا أنهي كتاباً للقراءة وهي تراقب ذلك بتركيز شديد، ألا أتحرك إلا وكائن غضَّ وهشَّ وبإصابة بالغة في نحره يمر بين أقدامي مثل خطوات محفوظة، أن يترك شعراً عالقاً على ملابسي بعد أن نزعت ملابسي السابقة لنفس السبب، أن تنتهي من لعق أكفها ثم تسندها تماماً على ركبتي في رغبة ملحَّة لاحتضان، ورغم الفراش الوثير والدمى التي تنازلت عنها لتزيين سريرها فهي لا تنام إلا على كنبتي المفضلة. وكل كتاب بين يدي سيكون مصيره اللعق وعقبه البارز ستختاره لهرش جرح بالغ في نحرها تتم معالجته.

في بيتنا قطة، تترك بيني وبينها وأترك بيني وبينها مسافة آمنة من عضَّ.