الاثنين، 25 أبريل 2016

رجل يركض في قلبي.

رجل يركض داخل رأسي*
عنوان وصلني على التيلقرام.

كنت أردد لا خطأ.. رجل يركض في قلبي، عقلي الواسع يحتمل الركض دون أن يُحدث أذية تُذكر، لكن قلبي المضغة لن يحتمل.
سيسبب له هذا الركض بليالي متقلبة ومزاجية حادة بحجم كعب أقدامه المغروسة في أرض قلبي اللينة.
سيترك ندوب.
سيخرق قلبي.
وقد يكون تفسير الكثير من البكاء ممكن ومقبول.
سيكون سبب التوق المفاجئ ممكناً، وكأنه أثناء ركضه تعلق بأحد الأوردة. أو كاد يسقط فتشبث بشريان.
لكن ركضه داخل عقلي سيكون مجرد مسألة حسابية، لغز رياضي، قضية علمية، تفسير على عجلة من أمره.

رجل يركض في قلبي، فيتكوّر جسدي، ويجلس القرفصاء.

مدمن كهرباء.

مدمن على الكهرباء..
أن أتناول الكهرباء مثلاً.. ابحث عن الأسلاك المكشوفة وأمشي فوقها بسرعة.. أن أضع قلم في فيش كهربائي.. أن أصلح الإضاءة بأكف مبلولة.
المهم هو أن تصلني كفايتي من الكهرباء.. الكهرباء التي أشعر أنها مايحتاجه دماغي المعتم.. قليل من الكهرباء ويتم توصيل الأفكار ببعضها البعض وثم تتضح الرؤية.
أو تيار كهربائي سريع يدفع بالأوامر العالقة في رأسي لتتعجل وتتم.
مثل كاتب كسول وبطيئ وثقيل وحزين ووحيد وبائس ينتظر على مكتبه أن يشعل له أحدهم المصابيح أو الشموع ليتمكن من الكتابة. وحتى لاينسى فهو ينثر نصوصه في الهواء.

أبدل حياتي..

اليوم كان الأمر الملحّ بقوة .. أن أفسخ حياتي وارميها كما جرت عادتي في رمي ملابسي القذرة والمستهلكة.
وأرتدي حياة جديدة.
أبدّل حياتي.. افتح سحابها من على صدري ثم آخذ نفس عميق.. بعدها اتركها تنساب عن جسدي حتى تتمدد على الأرض ثم بقفزة رشيقة اتخلص منها نهائياً.
ابدأ فتح الدواليب للبحث عن حياة واسعة ورحبة، عن حياة تشبه قميص الروز ربما، أو بيجاما قديمة، أو فستان اهتم مصممه بالقماش أكثر من المنحنيات والقصات، وابدأ في تجريب المقاسات مجدداً. 
اختار حياة أنيقة لارتديها .. ثم اخرج من الدولاب وأنا أسير بخطى متمايلة وثابتة ومحفورة وألقي نظرة إلى مرآة الزمن .. هل ستكون هذه الحياة نافعة أكثر أم أني سأكبر عليها للغاية وستصبح باهتة وضيّقة.
فقط.
اشتاق لكوني سدرة .. أتكئ على "عقم" طيني قديم، يفصل بيتنا الأنيق عن مسار ضيّق يكفي شخصين، يسلك درباً طويلاً ممتداً لبستان جدي، بستان أخضر ممتد، تتوق له السدرة، حتى لو لم يكن لها الإختيار لتكون مزروعة وهي تمنحه ظهرها، لم تعدم الحيلة فالتفت حول جيدها حتى كان قبلتها. 
لو كنت سدرة، لأستمرُ في مدّ جذوري، شاقّة أراضٍ طينية كالفخّار، في طريق وعرة ومعتمة وجدباء، نحو بستان أخضر. 
تماماً نحو قلبي القديم.

أشعر بالخفة..

الشعور بالخفّة.
أشعر أني استيقظت في جسد لاعبة سيرك محترفة، يد لاعب خفّة، إسوارة راقصة بالية.
شيء خفيف وفاتن ورشيق.
وكأنه يمكنني فجأة السير على حبل ممتد بين ناطحات سحاب ولا أبالي، كأنما يمكنني فجأة الرسم وأمام جدارية كاملة يمكنني بيقين عميق تغطيتها، كأنما بيدي هاتين يمكنني تحويل كل قطع الشيفون المهملة لفساتين فاخرة وأنيقة، يمكنني الرقص .. يمكنني الغناء .. يمكنني التحليق .. يمكنني الطيران ربما .. قد تكون نمت لي أجنحة.
لايمكن أن تخلق كلمة واحدة منه كل هذا الشعور بالسعادة.

فكرة مؤجلة.

في كل مرة يحتاج فيها الدخول إلى دورة المياة، يبقى هناك مطولاً فوق العادة، فوق قدرة احتمال الفضول، فوق إمكانية بقاء الأسئلة مخبأة.
بدأ صديقه بالاستفسار بسخرية، لماذا يبدو وكأنك في كل مرة تدخل لقضاء حاجتك وكأنما أنت على موعد مع فتاة؟
يغلق السؤال بإبتسامة بلهاء وهو يطيل غسل يديه سابحاً في فكرة شاسعة لايمكن التنبؤ بها، ربما لم يسمع ماقيل له.
اخوته بدأو في دوامة من القلق، أمه تضيق عليه الخناق.. لاتدخل ومعك الهاتف.. لاتدخل برفقة كتاب.. الشياطين تتلبسك.. ابنة صديقتي أصيبت بالمسّ.. لاتغني.. لاتفكر كثيراً.. في ماذا تفكر؟ ..
الأب يفكر في دس كاميرا خفية.. يفكر في كسر فتحة للتجسس.. في كسر نافذة الحمام.
يبادر بالإجابة لصديقته.. تعرفين في كل مرة أكون جالساً لقضاء حاجتي .. أفكر في كمية الأفكار التي شغلت رأس أختي قبل أن تفكر في الإنتحار؟
هل فكرت بنا ياترى؟
هل ظنت أنني سأفتقدها كل هذا الحد.
ماذا كان يدور في خلدها.
هل كان يدور في رأسها، كل هذا الفراغ الذي يدور في رأسي الآن.
هل جلست مطولاً كما رأيتها من الشبّاك للطمأنة عليها، قبل أن تنفذ شنق نفسها؟
هل كانت مترددة؟
هل لو أتيحت لها فرصة البقاء، لقالت كنت بلهاء أم ستكون تعيسة وستعد فشلها في الموت مجرد فشل آخر مضاف لرصيد الفشل في الحياة.

شجرة تيلفون عظيمة.

أشعر بالإنهاك..
قلبي ينقبض مجدداً .. وعيناي محرمتان.
لقد عبرت من شجرة تيلفون, شجرة عظيمة متسلقة, تتسلق حائط المبنى المقابل للمستشفى, كانت مساحة واسعة من اللون الأخضر الرطب, وأزهارها البنفسجية والبيضاء مثل دبابيس زينة تنتثر في هذا الأخضر الممتد وتتسلقه.
كيف كانت هذه الشجرة كابوس طفولتي, لتتحول لضحكة عارمة في هذه اللحظة..
كيف كنت أعبر من أمامها سريعاً وكأنها النبتة الشيطانية, النبتة الملعونة والتي تمتلك أيادي مخفية , ستلتقط قدمي الصغيرة الغضة وتلتهمها, ستأكلني في لقمة واحدة وسأتحول لشجرة عظيمة حمقاء كذلك..
هذه الشجرة المرعبة..
أخضر..
حائط..
أكف..
أيادي ممتدة..
عالم سفلي يستخدمها كغطاء..
باب خلفي يضفي لكون آخر..
برزخ..
رطب..
يكتب غالباً..
رائحة عطرية..
أزهار..
صداع..
خوف..
رهبة..
أشعر بالإنهاك..
قلبي ينقبض مجدداً وعيناي محمرتان.

الساعة السابعة والنصف.

الساعة السابعة والنصف..
يستمر المنبه في محاولات إيقاظه, يستيقظ السيد بطيئ.. السيد بطيئ جداً.
تمتد يده اليسرى ناحية المنبه, وعبثاً تحاول الوصول إليه, تحاول جاهدة في إسكاته ويبدو لها أبعد مما تظن حتى تقرر تركه في منتصف المسافة.. غارقاً في ضجته بينما تسقط على السرير منهكة جراء المحاولات الفاشلة.
كل شيء يبدو بطيئاً هذا الصباح, بالكاد تصل إليه أشعة الشمس يشعر بذلك, رغم أنه نجح في إزاحة الستائر بعد تفكير عميق.
لربما كانت الشمس مصابة بعسر حضور, فلم تسطع بعد رغم كونه في عاصمتها, رغم أنه اختار الدور العشرين بعناية فائقة..
يقف مطولاً أمام جهاز القهوة, يقف طويلاً دون أن يلاحظ أن كوبه قد أصبح جاهزاً للشرب, يشرد مجدداً حتى يعيده صوت جهاز المايكرويف بصوته للواقع, يبتسم وهو يكرر"حسناً شكراً للأجهزة الكهربائية فلقد منحتني المساندة اللازمة لأبدأ".
يتحرك هائماً, بطيئاً وكأنما هو يسبح, يسبح بالفعل في زحمة السير, يتوقف عند الإشارة ليلتقط أنفاسه, تعيده مزامير التنبيه لرشده, يكمل طريقه..
يصل, يحاول دون مبالاة أن يجد مكاناً يترك سيارته فيه رهن الإنتظار, يخرج حاملاً بين كفيه رأساً فارغة, كل خطوة يخطوها للأمام تتجذر فيها أقدامه حتى سابع أرض, يصل أخيراً .. يرفع رأسه كمن يحاول التذكر للحظة" مستشفى الأورام العام".