الخميس، 8 يناير 2015

متى نصر الله؟

"متى نصر الله".
هذا ماطرأ على بالي وأنا أتقلب على فراشي محفوفه بالقلق. رفعت صوتي "متى ترحمني".
متى تكف الحياة عن مشاغبتي.
متى أكف عن القلق.
متى أنتهي من الركض، حتى لو كان الركض لايبرح مكاني.
متى تنظر لي بعين الرحمة، وأنا المتحولة لعين القسوة، حتى اخشوشنت أطرافي.
وأنا التي كلما قضت فترة من عمرها، ابتسمت برضا وتحدثت بثقة، لقد تجاوزت أسوأ مايمكن أن يمر علي في حياتي، سيكون هناك الأجمل، ولاينتظرني إلا الأسوأ ذاته.
متى أنام بضحكة شاسعة واستيقظ على حلم جميل، وكأن مجرد التفكير بذلك ضرب من السذاجة.
لكنني مللت مني، هذا الكائن البائس والمثير للشفقة أينما حل، مللت من العمر المهدور دون أن يكون فيه شيء لي، مللت من نومي ومن استيقاظي.
ولاينتهي هذا الملل ولايفنى ولكنه يولد من العدم ويكبر في العدم ويتمدد في عروقي حتى آخر قطرة. حتى أُحبس وحيدة في جزيرة نائية بعدد لامنتهي من التجاعيد.

خطبة الجمعة.

خطبة الجمعة..

أحياناً لشدة إغتراب الشخص عن ذاته، ينسى الخير المزروع داخله، لذلك إما يحتاج تذكير أو يحتاج إشادة وتربيت على الأيدي.

الخير لايشمل الخير الفعلي فقط، قد نذكر شخص بأنه جميل فهذا خير، قد نعبر لآخر عن سعادتنا بوجوده وهذا خير، قد نخبر أحدهم أن ضحكاته المصورة باعثة على السعادة وهذا خير، قد نشعر البعض بالإهتمام المفقود وهذا خير، قد نذكر الشخص بروحه الجميلة التي كانت، قد نصنع من الألم سخرية تقزم الأوجاع وهذا خير.

بعد حديث مها عني، "كيف تساوين بيني وبين أطهر شخص عرفته بالساخر"، حديث لطيف وأشعل في رأسي إضاءة خافتة.. جلست بعدها أبحث عن الخير الذاتي، أعرف تماماً أنني لست ملاكاً ولست شيطاناً، لست بمنتهى الحكمة والنبل ولست بمنتهى المكيدة والحسد، لست بمنتهى الأمنيات الجميلة للآخرين ولاأتمنى لهم السوء.. وكما ذكرت من قبل "أنا سعيدة من أجل كل سعيد وحزينة من أجل كل حزين".

لكن لنظن بالنفس خيرا. هذه المرة، لنتذكر الهبات الخاصة لنا من دون البقية، لنتبختر ببعض الصفات النبيلة رغم كل الظروف والتي لازالت، لنتباهى قليلاً ببعض مانملك دون إنقاص لأحد ومن غير إجحاف للذات.

أذكر هذا الحديث تماماً وأنا أتذكر حادثة قبل عدة أيام، عندما زارتنا إحداهن، وعلى غير العادة كان حضورها بالكثير من الهدايا والصواني والتقديمات، كانت تعطيني الأكياس والهدايا وأنا أقرأ الإمتنان والأماني في عينيها.
بعدها فتحت لنا حديث عن ابنتها"سلفتي سابقاً"، قالت أنها منذ ثلاثة سنوات وهي لاتخرج من منزلها ولاحتى لزيارتي أنا أمها، وحالتها مريبة ومتدهورة، وكيف أحضرت لها المشائخ والقراء من دون فائدة.
انتهى الحديث هنا وانتهت الزيارة، جلسنا نستذكر الموضوع واستنكرت أختي الحالة جداً وردت أمي بهدوء وحكمة وعينها لاتبرحني .."ليش ماتكون دعوة صابتها في عسرة". بعدها قالت سامحيها يابنتي.
صدمت من الفكرة، أن الله قد يكون استجاب لي فعلاً، أن الله وأنا في غياب تام عنه وفي غضب وحنق عليه كان يعمل من أجلي دون علمي، وأنه بعد كل هذه المدة جاءت الأخبار بتوكيد أن الله كان يدبر الأمر بعيداً عني.
رغم أني كنت حزينة على حالها لكنني كنت سعيدة بهذه الإشارة الإلهية، وأنه يدبر الأمر بعيداً عنا تماماً، لكنه لم يغفل عنا.
وكان ردي أني لم أذكر أحد باسمه لكني دعوت الله من أرادني بسوء فاشغله بنفسه.

فرغم كل تجاوزاتك، رغم ابتعادك واقترابك، رغم حضورك وغيابك، قد تكون تحمل في داخل بذرة خير، لاتراها بنفسك ويراها الآخر فيك حقيقة لاتغيب.

أقم الصلاة.

ذاكرة غانياتي الحزينات.

ذاكرة غانياتي الحزينات* غابريل غارسيا ..

تعود نوف مجدداً لعادتها الجميلة، بالقراءة لكاتب حتى تنتهي منه، هنا غابريل كان أجمل بكثير من "ليس لدى الكولونيل من يكاتبه". بكلمات بسيطة ووصف غير متكلف ومحيط غير مصطنع ومزعج في التركيب، ببساطة وعمق في ذات الوقت.
إذن هكذا يكتب غابريل، وكأنه يسير بمحاذاة شاطئ ويقرر السباحة بهدوء، يأخذك في حضن الفكرة والعقدة والحبكة تدريجياً بفتنة وسحر بالغة.
لكنه كعادته كمايبدو لي، أنه ينتهي من الكتابة فجأة، تنتهي من القراءة وكأن هناك ملحق بالنص قد أسقط سهواً أو عنوة. فجأك ووجهاً لوجه تجدك مع النهاية، النهاية التي لم تطرأ على بال أحد لشدة هدؤها وانكسارها عن مجرى الحدث.
بذلك نجد نصوصه تتعاظم على مشارف النهاية عندما يحدث الإنهمار الحقيقي، عندما يلج الكاتب منتصف البحر.

شكراً غابريل ولو متأخراً.

أحتديث نسوية بحتة.

وهذا كوبك الثاني، وهذا نومك الهارب ليضعك وجهاً لوجه مع أيامك الجميلة العابرة والتي تركتك عارياً إلا من الحسرة، هذا كوبك الفارغ بينما عبأت به فراغ قلبك، ليستيقظ كل حزن قديم وكل حب خدش روحك.
إنهم فقط الحمقى من يستعينون بالقهوة لزيادة تركيزهم. بينما الحياة ليست بحاجة لأكثر من غيبوبة مؤقته وذكاء أقل.

وهذه دفاترك المتكدسة، وأنت وحيد وخالي وحزين وهش وخائف، تفكر في كيف تكون البداية وأنت مكتوب لنهايتك.

وسجائرك اللعينة هراء آخر، ووقتك المهدور في كف هذا الوطن هراء عتيق، ومكتبك الذي تظنه يكتب بدلاً منك، كتب عنك فصول الخيبة.

وكؤوسك المترعة لاتحمل إليك معجزة، ولاتدلك على مخرج للإفلات من فك العتمة، أنت مطحون ومسحوق ومعجون بالحنق ومعتق في الرهبة.

فقط أخبرني ياصديقي، أبعد كل هذا تفكر في كوب من القهوة.

كوب قهوة من فضلك.

وهذا كوبك الثاني، وهذا نومك الهارب ليضعك وجهاً لوجه مع أيامك الجميلة العابرة والتي تركتك عارياً إلا من الحسرة، هذا كوبك الفارغ بينما عبأت به فراغ قلبك، ليستيقظ كل حزن قديم وكل حب خدش روحك.
إنهم فقط الحمقى من يستعينون بالقهوة لزيادة تركيزهم. بينما الحياة ليست بحاجة لأكثر من غيبوبة مؤقته وذكاء أقل.

وهذه دفاترك المتكدسة، وأنت وحيد وخالي وحزين وهش وخائف، تفكر في كيف تكون البداية وأنت مكتوب لنهايتك.

وسجائرك اللعينة هراء آخر، ووقتك المهدور في كف هذا الوطن هراء عتيق، ومكتبك الذي تظنه يكتب بدلاً منك، كتب عنك فصول الخيبة.

وكؤوسك المترعة لاتحمل إليك معجزة، ولاتدلك على مخرج للإفلات من فك العتمة، أنت مطحون ومسحوق ومعجون بالحنق ومعتق في الرهبة.

فقط أخبرني ياصديقي، أبعد كل هذا تفكر في كوب من القهوة.

"أهلاً بك في هذا العالم"*

ترامادول كان النافذة، النور المتأخر لثلاثين سنة، ليسري بإضاءة خافتة في أوردتي وشراييني، بكامل الهدوء الذي كان في رحم أمي، السكينة الخام قبل ولادتي، مثل حضن كامل يطمئن كل خلية تشعر بالقلق.
لستُ نادمة إلا على الساعات التي سبقته كيف بكيت فيها، كيف داهمني الخوف وهو يمدها نحوي بصوت خبيث"أهلاً بك في هذا العالم".

_كيف؟
: زمزم.
_حالة تصوّف.
:وصف بعيد ولغة قاصرة، مثل ثمرة في أعلى الشجرة.
_مريح؟
:كيف يستكن أحدنا في حضن أحدهم، كيف الحال وهو يحتضن ذاته.
_لذيذ.
:كان مهيباً والساعة تتباطأ وينام الوقت على ساعد اللحظة، واللحظة المباركة تتسع وتتماهى وتتمدد، لأجدني عارية تماماً من كل فكرة سابقة ومن كل تجربة فقيرة أو غنية، عارية من صداعي وكآبتي وحزني وقلقي وترددي وخوفي ورغبتي.. عارية حدّ ستري لروحي بأكفي.
_وماذا بعد!
: دُفن عالم من الحرمان والوجع والتعب والقلق ونبت بدلاً منه عالمي الخاص. موسيقاي وأغنياتي، الجدران المخملية باللون الأحمر الداكن، الإطارات الذهبية تضم لحظاتي السعيدة، هنا أركض تحت الشمس، هنا أغوص في روح موجة، أغني في إحداهن، أغط في نوم عميق في أخرى، تتطاول الجدران وتبرز اللوحات حتى ينتهي السقف بتنهيدة.
_هل هذا يعني أنك وجدتي الباب أخيراً؟.
: الباب مفتوح على مصراعيه، كنت خلفه تماماً رغم أني لم أبرح مكاني، كنت هذه الروح الرمادية التي تشرب المخدر جسدها وكنت كذلك تلك الأخرى هناك والتي تبدو ببشرة نضرة وبفستان أحمر قاني .. كنت أشاهدني أضرب الأرض بخطوات شرقية بارعة، أذهلتني.
أتقدم نحوي لأستبصر الحقيقة، غير أنها تتقدم نحوي، مددت لها يدي ومدت لي يدي، وكان بيننا حاجز مرايا يضرب في قاع الأرض وينبت للسماء العاشرة.
_ممم ... كم حبة ابتلعتي؟
: لاتبقي ولاتذر.

لاتبقي ولاتذر، ذلك الإحساس بالسكينة كان حقيقة، لم يكن خدعة، لقد أتممت يومين دون أن تغمض لي عين، أتمسك بكل قوتي باللحظة مخافة أن تكون مجرد حلم عذب ينتهي بإستيقاظي. لذلك نمت للأبد.