الاثنين، 6 يونيو 2022

إلى صديقة مصابة بالأرق.


ترددت كثيراً قبل كتابة هذه التدوينة، ربما لأول مرة اختبر مثل هذا الكتابة عن تجربة حيَّة أعيشها، عادات بسيطة لتحسين جودة اليوم.

 

في البدء كان هذا الركض:

وسبق وتحدثت عن تجربة الركض في تدوينة سابقة، عن كهف المشاعر الحالك، الأحاسيس الضيَّقة مثل قميص قديم، والأيام التي نقضيها سباحة في الرتابة. هكذا مصادفة تعرفت على المشي والركض، في تحدي بين الأصدقاء، كانت الأيام الأولى شاقة مثل أن تنتزع نفسك من الكنبة. الخروج من الصالة والكنبة المريحة وحتى شيء بسيط مثل أن تختار الحذاء المناسب للركض.

كان اسبوعاً شاقاَّ ثم تحوَّل الأمر إلى حبل نجاة، أمد له يدي كلما حاولت الخروج من شعور ضيَّق يتصعد حرجاً في السماء.

هكذا تحوَّل أمراً مثل المشي لعادة مع الوقت، حتى بدأت في تحديد مستوى جودة اليوم من عدد الساعات التي مشيتها أو الكيلوات التي قطعتها.

أتذكر أن أكبر مسافة قطعتها وحسبتها لي الساعة في حدود العشرين ألف خطوة. كان ذلك اليوم هادئاً جداً ومتمدداً في استراحة، ينظر للناس والعالم والحياة وهو مبتسم. حتى كانت الدهشة " أوه نوف هل أنت بحاجة لعشرين ألف خطوة للوصول إلى هذا المزاج الصافي جداً".

 

حتى سقطت في جنة اليوقا:

مصادفة جميلة عرفتني بها، رابط وحديث مع صديق عن اليوقا والتأمل والاسترخاء بعد حديث مشترك عن الحياة المزدحمة والركض الذي لايتوقف حتى لو كنَّا نسبح في الرتابة. عما تسقطه على كاهلنا مواقع التواصل الاجتماعي من تحديات في محاولات مجاراة الإنجازات التي من حولنا. مثل سبعة كتب في سبعة أيام، مناقشة فيلم ربما، الحديث عن مائة كتاب إن لم تقرأها فأنت عار على الثقافة والقراءة، عازفون إن لم تطرب لموسيقاهم فأذنك الموسيقية تحتاج تنظيف.

حتى شاركني قناة على اليوتيوب رفعت عليها المدربة تحدي لممارسة اليوقا لثلاثين يوم فقط.. والانتقال من مستوى متوسط لمستوى أعلى خلال هذه المدة.

كان الحماس في البدء للمشاركة وفي التنافس ذاته، الانتقال من تحدي لآخر للفوز فقط، حتى كان الاستعداد لليوقا في أول أربعة أيام قطعة من العذاب وجزء من المشقة، مثل واجب ثقيل وسمج ولا أنظر للهدف منه بقدر الانتهاء منه في سباق.

حتى الاستعداد كان في عجل والركض لايزال في صدري لملاحقة بقية اليوم، إلى اليوم الخامس والذي استيقظت فيه بهدوء ولم أغادر السرير بعد، في تململ واضح وتعب وعدم رغبة في النهوض مجدداً. مثقلة بليلة البارحة، حتى أكدت لنفسي بصوت مسموع أن هذا يوم بحاجة لجلسة يوقا.

عندها عرفت تماماً أن هذه التجربة لن تمر مرور الكرام ولن تمضي بدون أن تترك أثرها علي، وهذا الأثر جميل ولطيف، وبدأ ينعكس على مشاعري طيلة اليوم، حتى لو كانت الحلقة لا تتجاوز العشر دقائق في الغالب، السكينة التي تحلَّ علي بعدها والطمأنينة التي تبدأ تنتشر مثل بقعة لون فاتحة في كوب ماء، بدأت الجلسات بدون تخطيط وبدون أدوات مجهزة. بدأت في التسوَّق وأنا أفيض بهجة. كأنما وقعت على عنوان كتاب بديع للقراءة. التسوَّق بدءاً بشراء الشموع برائحة اللافندر، مات، حبال للتمدد، قفازات مطاطية، جوارب للثبات أكثر على المات. حتى أن التسوَّق لهذه الجلسات التي لاتتجاوز نصف ساعة في اليوم قد تأخذ وقتاً أطول منها.

بدأت في البداية فقط للانتهاء من التحدي ومتابعته، لكنني بدأت في الأسبوع الثاني انتبه وأنصت جيداً لجسدي، العضلات التي يستهدفها تحدي اليوم، هل تحمل هذه العضلات بعض الآلام الخفية عني، الاستطالة والمرونة والتي سأحظى بها لبقية اليوم. الحلقات التي تبدأ تتدرج بين صعبة في حلقة وسهلة في الحلقة التالية. ثم بدأت التركيز على التنفس خلال هذه التمارين. حتى الجلوس بعد الانتهاء من كل حلقة لبضع دقائق في وضعية الجنين على الجانب الأيمن دون أفكار تدور مثل عاصفة، وأنا أرتب التنفس ليتمدد في جسدي بالكامل.

فكانت نافذة فتحت في حياتي فجأة، ودخل من خلالها خطوط نور دافئة.

 

مغطس كما في الأفلام:

بدأت بعدها في إضافة مغطس دافئ كل ليلة قبل النوم، مغطس دافئ مع أملاح وشموع وكتاب. حتى لو أني سأكون حريصة طوال النصف ساعة في محاولات حفظ الكتاب من البلل. لكنها تجربة كانت ساحرة كذلك مثل الأفلام. لازلت لم أجرؤ على أن استمتع بالموسيقى بعد. لكنني شعرت وكأنني فتاة في مشهد مقتطف من فيلم، بتسريحة شعر متهدله وتسقط على وجهي.

لكنه شعور غامر بالهدوء، مثل عودة للطبيعة، لاحتضان دافئ، وصوت الماء يثير في الروح المتلاطمة الرغبة في أن تهدأ وتنسجم.

 

كوب من الأعشاب بدلاً من كوب من القهوة:

إضافة بسيطة على ركن القهوة، علبة من الأعشاب من اليانسون والبابونج والشمَّر، بكميات متساوية، كانت خياري في كل مرة أخرج من المغطس الدافئ لأحظى بكوب.

 

إضافة بسيطة قبل مغطس كما في الأفلام:

كانت فكرة إضافة تدليك الجسم بفرشاة جافة، تحريك للدورة الدموية من الأسفل لأعلى، ابتداء بالقدم اليسرى وحتى الأكتاف، حريصة على الضغط والفرك، لتحريك الدورة الدموية ولم أكن فعلياً مهتمة بتحريك الدورة الدموية التي لن تتوقف حتى أحفزها على الحركة، لكن كان الشعور اللطيف في الدغدغة.

 

الشمس.. الشمس:

في محاولة لتحسين جودة النوم وضبط الساعة البيولوجية، كان من الضروري التعرض للشمس نصف ساعة في الشروق ونصف ساعة قبل الغروب، وترك فرجة في الستائر طوال اليوم ليدخل منها النور لضبط ساعة اليوم مثل ساعة شمسية.

 

حتى في نهاية الشهر المنصرم، وجدت أن كل هذه العادات العصيبة في بداية الأمر والثقيلة، قد تحولت لعادات لا يمكن أن أتخطى اليوم دونها، حتى صارت تحدث دون انتباه مني لها، دون جهد واضح. تحدث مثل تعاقب طبيعي لليوم.

 

هل سيتمدد هذا الشهر للأشهر الباقية، هل ستكون كل هذه العادات ممتدة لبقية الشهور، أم سيوقفها الملل في طريق الحياة، هل ستتعثر أم ستبقى صامدة. لكنها كانت جزء شاق في البدء وتحوَّل مع مرور الوقت لفسحة شاسعة لضبط مزاج وحشي وبريَّ ومنفلت لمزاج أكثر سكينة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق