كان يفترض به أن يكون حجزاً لطاولة تخدم شخصاً واحد, وقفت في إنتظار دوري لتسجيل الطلب, حتى وقفت عند طاولة خشبية طويلة ولها أذرع تحاول اسناد الأشخاص خلفها لتسجيل الحجوزات دون تعب. لكنها كانت مساحة صغيرة لتسمح بمرور شخصين, عدا أن يقفا خلفها.
كانت الفتاة تقف في ثبات لربما كان السبب في كل هذا الثبات, كمية الكحل في عينيها, شال بني خفيف يحاول إخفاء طرف شعرها, بينما يقف خلفها شاب بثوب وشماغ ويحاولان معاً تسجيل الطلب.
وقفت مطولاً أنظر للمسافة صفر, المسافة المربكة بين شخصين, بدت على ملامحي الرهبة من هذه المسافة التي تقترب من الصفر ثم تبتعد إلى أبعد قليلاً ثم تعاود الوقوف على المسافة صفر.
ربما طالت نظراتي قليلاً, أو أني غرقت في خوفي من هذه المسافات, عن رهبة العناق لأتحول عندها لخشب مسندة, رهبة الصباحات بعد انقطاعات طويلة ثم نكون بين أيدي بعضنا نتحدث عن إجازة منهكة وطويلة وبلاجدوى وأنا أتحول لزهرة دوار شمس عندما تبقي صديقتي كفيَّ بين كفيَّها.
عندما أتحوَّل لشعور غاضب ومستنفر ومنزعج تحت أيدي الكوافير لقص شعري.
هذا ماتعنيه المسافة صفر.
ليحاول الشاب جاهداً وبتوتر ينساب في حبات عرق على جبينه وعلى وجنتيه, تتخلل شارب خفيف تمت العناية به مؤخراً, حتى يمسحها بكف صغيرة لاتناسب حجم كفه الأخرى.
كان شعوره بالحرج يوازي شعوري بالحرج وأنا أدرك الأمر متأخراً وأحاول إزاحة عيني عن كفه التي لم تنمو بعد. كان يزفني بخطوات مرتبكة لطاولة تكفي شخصاً وحيداً. وأنا أدف شعوراً من خلفه غارقاً في مسافته الصفر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق