كيف نكتب بهالطريقة؟
كيف!؟ مافهمت
يعني اذا كنت أنا معتمدة على خيالي فقط ولغتي والوصف فأين المشهد والحبكة المطلوب كتابتها.
والمطلوب؟
حظهم ..
الكتّاب.
أقلّها تلهمه شخصية عبود اللجة .. وهو يدخل عليهم في مقهى شعبي.. بشماغ أكل عليه الدهر وشرب.. وكأنه يضعه على كتفه يخبئ داخله أسراره أو يثبت به أكتافه الهزيلة، وهو ينادي بصوته كله: شاهي مننتاااز. يتكئ على النون وكأنها عدد ملاعق السكّر المطلوبه في براده.
صوته الجهور رغم ضآلة حجمه وكأنه في حياة سابقة يعمل مايكرفون. يتجه مباشرة لزاوية المقهى وطاولته الأخيرة.. ثم يبدأ صف الضومنة وهو يتحدث لأصدقائه المنتظرين حادث سير صادفه في طريقه وتفاصيل الحادث وموديل السيارة وتخمينات بمدى سوء الحادث .. بعدها يطلب سيجارة ويلعن ارتفاع الأسعار .. رغم أنه لايملك حق البكت ولايعرف كم بلغ سعره.. فهو يحمل بكت فارغ ويتظاهر كله مرة أنه للتو ينتبه لإنتهاء السجائر .. ثم يطلب ممن هم حوله سجارة.
لعبة قديمة والكل يعرفها لكنهم يدارون على كرامة عبّود اللجة في كل مرة.
تعرفين حتى اختيار اسم عبّود اللجة غير مناسب للقصة .. ويتضح كيف أني أحاول المرور عبثاً للشارع .. ثم أعود مجدداً للحديث عن ماذا لو تحدثت أدمغتنا بمعزل عنّا.. ماذا لو اخترنا أحلامنا قبل النوم.. ماذا لو أن المسافات التي أقطعها في الحلم تخسرني بعض الباوندات .. ماذا لو اخترت الحلم المناسب حول لغة جديدة أتعلمها.. وكل يوم أبدأ درس جديد وأستفيد من ساعات النوم المهدرة والتي لاينام فيها دماغي بشكل تام ولكنه يبدأ في الدوران والركض والصراخ والضحك وكأنه أخيراً تخلص مني ليبدأ دورته في الحياة.
تماماً مثلي وأنا أؤجل النوم لساعات طويلة سعيدة بالهدوء الذي يعم المكان بعد عاصفة العائلة الكريمة ..
والآن عن الأحلام يالله.. هل تعلمين أنني بدأت أشك أنني كل يوم أترك نافذة مفتوحة يتسلل فيها واقعي لأحلامي .. يختلط الصوت واللون والظل في واقعي بالأبيض والأسود في أحلامي.. فأصحو إما على واقع يفقد ألوانه أو أحلام شديدة السطوع تصيبني بالصداع.
ماذا عن عبّود؟
عبّود..
عبّود كان من الممكن أن يكون شخصاً جيداً للغاية، مثل مايتمنى..الرجل الوحيد الذي يجيد التعامل مع الأسلحة بكافة أنواعها في قبيلته، الرجل الوحيد فيهم الذي أخذ على عاتقه تدريب كل من يقترب منه بطريقة هادئة على علوم المرجلة.. طريقة اختيار البن .. تنقيته .. غسلة .. حمسه .. واللون المناسب من الحمس لألذ قهوة.. ولاتغسل الكفكيرة الصفراء البالية بالصابون واكتفي بشطفها بالماء والأسفنج .. يكرر على أحمد تدري ليش؟ علشان نكهة البن فيها تبقى معتقة.. وكأن للكفكيرة ذاكرة مهمة في إنضاج القهوة كل مرة بالنكهة ذاتها.
ماذا حصل ليتحوّل؟
لا أحد يعلم ذلك .. فكل المحيطين به الآن هم أصدقاء منحتهم له المدينة، لا أحد يعرف عن عبّود سوى اللّجة.. ولم يصادف أحد من قريته ليحكي عن هذا التحوّل.
ماذا تظنين؟
كان يحب فتاة ربما.. منع من الزواج بها .. لأنها منحت لصديق والدها في سدّ دين عنه.
ربما..
أو أنها انتظرت طويلاً لتتزوج به.. لكنه لم يجرؤ على الزواج بها لأنه بدوره تزوج من زوجة أخيه الذي وافته المنيّة في حادث سير.
ربما..
أو أن مناير بنت جارهم دست لهم عمل .. لأن الحب أعمى.
ربما..
وربما كان ذلك بعد اكتشافه أنه عقيم لاينجب.. وكل ماتعلمه من علوم المرجلة وكل دروس أبيه له لن يرثها منه أحد.
لكنه مضطر للغياب في رحلة للمدينة المجاورة .. للبحث عن عمل .. في البدء كان يذهب للمدينة كل يوم في بداية النهار ثم يغادرها آخر الليل لقريته .. وهو يشعر بالإختناق في شارع مزفلت ومضاء ومحاط بالمنازل على جانبيه.. مثل جواسيس قائمة من حوله تلتقط أفكاره.. يهرب من هذا التوجس والريبة بحثاً عن أرض فضاء مشغولة بما في داخلها أكثر مما على ظهرها لتراقبه.
وبعدين؟
اضطرته الطرق الطويلة والمسافات البعيدة كل يوم لهجره للنوم أبداً.. هكذا يبدأ يومه وينهيه دون أن يغمض له جفن.
كيف تقابل رجلاً مستيقظاً منذ عام؟
كيف ستبدو ملامحه.
كيف سيكون وجهه خارج هدوءه .. بعيون جاحظة. بقلق دائم.. بصوت عالي.
كيف سيتفقد قلمه وساعته وجيبه العلوي ومحفظته كل ثانيه في حركة دائمة وكأنه في بحث دائم عن مفقود. لكنه لايدرك أن النوم لن يكون منتظراً في أحد جيوبه.
ماذا بعد؟
شهار.
كانت زيارته الأولى لهذا المشفى بناءاً على طلب أحد أصدقاء الطاولة.
وهو يركز يده على صدغه ويعد دقات قلبه، يكرر بصوت مذهول.. عبّود وكأنك تعيش بقلبين. هذا النبض لايتوقف ولايهدأ.
أنت بحاجة ماسّة لتدخل طبي.. هذا الدوران والركض والقلق بحاجة لزر إطفاء وإعادة تشغيل.
ايه يامحمد.. أنا تعبان.
وأحس أن قلبي نهايته ينفجر .. مثل كفرات سيارة خالد.. ينتفخ وينفجر.
مثل بطارية جوال علي.
أو أن قلبي كبير علي.. يعني المفروض أكون مثلك طول وعرض علشان يقدر يهدأ قلبي والدم اللي يرسله مسرع مايرجع له.
ولا أنا كبرت وقلبي في طفولته لسا.
مدري ..
عبّود أنت تاخذ أدوية؟ أحد وصف لك أدوية من قبل؟ شيء يعني ممنوع ولا مضروب..
ماخذ شيء غير حبتين بندول كل يوم.. اسكت فيهم صداعي.. آخذهم من جارنا في القرية ..
هذي هي عندي منها كم حبة..
يفرغ جيبه في يد الدكتور محمد.
محمد يشهق بأعلى صوته بندول ياعبّود .. ولا أبو ملف.
كيف!؟ مافهمت
يعني اذا كنت أنا معتمدة على خيالي فقط ولغتي والوصف فأين المشهد والحبكة المطلوب كتابتها.
والمطلوب؟
حظهم ..
الكتّاب.
أقلّها تلهمه شخصية عبود اللجة .. وهو يدخل عليهم في مقهى شعبي.. بشماغ أكل عليه الدهر وشرب.. وكأنه يضعه على كتفه يخبئ داخله أسراره أو يثبت به أكتافه الهزيلة، وهو ينادي بصوته كله: شاهي مننتاااز. يتكئ على النون وكأنها عدد ملاعق السكّر المطلوبه في براده.
صوته الجهور رغم ضآلة حجمه وكأنه في حياة سابقة يعمل مايكرفون. يتجه مباشرة لزاوية المقهى وطاولته الأخيرة.. ثم يبدأ صف الضومنة وهو يتحدث لأصدقائه المنتظرين حادث سير صادفه في طريقه وتفاصيل الحادث وموديل السيارة وتخمينات بمدى سوء الحادث .. بعدها يطلب سيجارة ويلعن ارتفاع الأسعار .. رغم أنه لايملك حق البكت ولايعرف كم بلغ سعره.. فهو يحمل بكت فارغ ويتظاهر كله مرة أنه للتو ينتبه لإنتهاء السجائر .. ثم يطلب ممن هم حوله سجارة.
لعبة قديمة والكل يعرفها لكنهم يدارون على كرامة عبّود اللجة في كل مرة.
تعرفين حتى اختيار اسم عبّود اللجة غير مناسب للقصة .. ويتضح كيف أني أحاول المرور عبثاً للشارع .. ثم أعود مجدداً للحديث عن ماذا لو تحدثت أدمغتنا بمعزل عنّا.. ماذا لو اخترنا أحلامنا قبل النوم.. ماذا لو أن المسافات التي أقطعها في الحلم تخسرني بعض الباوندات .. ماذا لو اخترت الحلم المناسب حول لغة جديدة أتعلمها.. وكل يوم أبدأ درس جديد وأستفيد من ساعات النوم المهدرة والتي لاينام فيها دماغي بشكل تام ولكنه يبدأ في الدوران والركض والصراخ والضحك وكأنه أخيراً تخلص مني ليبدأ دورته في الحياة.
تماماً مثلي وأنا أؤجل النوم لساعات طويلة سعيدة بالهدوء الذي يعم المكان بعد عاصفة العائلة الكريمة ..
والآن عن الأحلام يالله.. هل تعلمين أنني بدأت أشك أنني كل يوم أترك نافذة مفتوحة يتسلل فيها واقعي لأحلامي .. يختلط الصوت واللون والظل في واقعي بالأبيض والأسود في أحلامي.. فأصحو إما على واقع يفقد ألوانه أو أحلام شديدة السطوع تصيبني بالصداع.
ماذا عن عبّود؟
عبّود..
عبّود كان من الممكن أن يكون شخصاً جيداً للغاية، مثل مايتمنى..الرجل الوحيد الذي يجيد التعامل مع الأسلحة بكافة أنواعها في قبيلته، الرجل الوحيد فيهم الذي أخذ على عاتقه تدريب كل من يقترب منه بطريقة هادئة على علوم المرجلة.. طريقة اختيار البن .. تنقيته .. غسلة .. حمسه .. واللون المناسب من الحمس لألذ قهوة.. ولاتغسل الكفكيرة الصفراء البالية بالصابون واكتفي بشطفها بالماء والأسفنج .. يكرر على أحمد تدري ليش؟ علشان نكهة البن فيها تبقى معتقة.. وكأن للكفكيرة ذاكرة مهمة في إنضاج القهوة كل مرة بالنكهة ذاتها.
ماذا حصل ليتحوّل؟
لا أحد يعلم ذلك .. فكل المحيطين به الآن هم أصدقاء منحتهم له المدينة، لا أحد يعرف عن عبّود سوى اللّجة.. ولم يصادف أحد من قريته ليحكي عن هذا التحوّل.
ماذا تظنين؟
كان يحب فتاة ربما.. منع من الزواج بها .. لأنها منحت لصديق والدها في سدّ دين عنه.
ربما..
أو أنها انتظرت طويلاً لتتزوج به.. لكنه لم يجرؤ على الزواج بها لأنه بدوره تزوج من زوجة أخيه الذي وافته المنيّة في حادث سير.
ربما..
أو أن مناير بنت جارهم دست لهم عمل .. لأن الحب أعمى.
ربما..
وربما كان ذلك بعد اكتشافه أنه عقيم لاينجب.. وكل ماتعلمه من علوم المرجلة وكل دروس أبيه له لن يرثها منه أحد.
لكنه مضطر للغياب في رحلة للمدينة المجاورة .. للبحث عن عمل .. في البدء كان يذهب للمدينة كل يوم في بداية النهار ثم يغادرها آخر الليل لقريته .. وهو يشعر بالإختناق في شارع مزفلت ومضاء ومحاط بالمنازل على جانبيه.. مثل جواسيس قائمة من حوله تلتقط أفكاره.. يهرب من هذا التوجس والريبة بحثاً عن أرض فضاء مشغولة بما في داخلها أكثر مما على ظهرها لتراقبه.
وبعدين؟
اضطرته الطرق الطويلة والمسافات البعيدة كل يوم لهجره للنوم أبداً.. هكذا يبدأ يومه وينهيه دون أن يغمض له جفن.
كيف تقابل رجلاً مستيقظاً منذ عام؟
كيف ستبدو ملامحه.
كيف سيكون وجهه خارج هدوءه .. بعيون جاحظة. بقلق دائم.. بصوت عالي.
كيف سيتفقد قلمه وساعته وجيبه العلوي ومحفظته كل ثانيه في حركة دائمة وكأنه في بحث دائم عن مفقود. لكنه لايدرك أن النوم لن يكون منتظراً في أحد جيوبه.
ماذا بعد؟
شهار.
كانت زيارته الأولى لهذا المشفى بناءاً على طلب أحد أصدقاء الطاولة.
وهو يركز يده على صدغه ويعد دقات قلبه، يكرر بصوت مذهول.. عبّود وكأنك تعيش بقلبين. هذا النبض لايتوقف ولايهدأ.
أنت بحاجة ماسّة لتدخل طبي.. هذا الدوران والركض والقلق بحاجة لزر إطفاء وإعادة تشغيل.
ايه يامحمد.. أنا تعبان.
وأحس أن قلبي نهايته ينفجر .. مثل كفرات سيارة خالد.. ينتفخ وينفجر.
مثل بطارية جوال علي.
أو أن قلبي كبير علي.. يعني المفروض أكون مثلك طول وعرض علشان يقدر يهدأ قلبي والدم اللي يرسله مسرع مايرجع له.
ولا أنا كبرت وقلبي في طفولته لسا.
مدري ..
عبّود أنت تاخذ أدوية؟ أحد وصف لك أدوية من قبل؟ شيء يعني ممنوع ولا مضروب..
ماخذ شيء غير حبتين بندول كل يوم.. اسكت فيهم صداعي.. آخذهم من جارنا في القرية ..
هذي هي عندي منها كم حبة..
يفرغ جيبه في يد الدكتور محمد.
محمد يشهق بأعلى صوته بندول ياعبّود .. ولا أبو ملف.
قصة لطيفة للغاية، أحسست بها عمقًا
ردحذف