حتى البيوت تشعر
بالإهمال يا صديقي.
صحيح أنه كانت هناك
بعض الإشارات الوامضة، أصوات واضحة، لمحات تؤكد كل ذلك ولكنني كنت منشغلة عنها
تماماً.
كنت أعيش الفكرة
الحلم، العزلة الواجبة، الانتقال من منتج تجميل لآخر، تجربة تطبيق توصيل وتقييمه،
محاولة الحصول على كل انتباهي، حتى دخلت القوقعة.
كنت أنظر للجميع من
حولي من بعيد، تصلني أحاديثهم ولا تلمسني، في منطقة نائية ربما.
حتى بدا لي أن الأثاث
يئن، يشعر بالإهمال، وتلك الأصوات التي أسمعها كل ليلة من حركة للكراسي وتغير
للطاولات "مثل اجتماع سري للغاية" يعقد كل ليلة.
الهمسات التي تصلني
وأظنها حلم، الأصوات التي تضج كل ليلة وأظنها بسبب الجدران الرقيقة التي تفشي
أسرار الجيران، تحرك الأثاث وتبدل مكانه بينما أظن ذلك من فعل الخادمة.
حتى تحوّلت وداعة
الكراسي العتيقة إلى عنف، مثل أن تقبض على طرف البنطلون حتى أقع، أن تختار أصبع قدمي
الصغير لتضربه مثل إشارة تنبيه، أن يدخل الباب يده في أكمي حتى أتراجع، مثل كوب
يسقط من يدي هذا الصباح بعيداً للغاية عن قدمي لكنه يخدشها بالكامل، حتى تسيل
الدماء دون أن انتبه على طرف السجادة وكذلك على الرخام.
أن أقضي نصف ساعة كل
مرة في البحث عن الريموت، ريموت المكيف وريموت التلفاز وحتى البطاريات. كأنما جنَّ
المنزل بالكامل.
المنزل بالكامل يفتعل
شجاراً حاداً، كانت كل هذا الإشارات متباعدة وغير متواترة، يفصل بينها وقت كافي
لأنسى، لكنها اليوم تتكرر مثل قرصة أذن.
حتى المنزل يشعر
بالإهمال.
لملمت شظايا الكوب
المكسور والذي رسم بدوره صراخاً على الأرض، أجمع الزجاج وأقف مدهوشة أمام فم يصرخ
أو هكذا ظننت، القهوة تريد أن تخبرني شيئاً.
انتبهت للدماء التي
تسيل من قدمي، البقع على الرخام، أستدعي الخادمة لتكمل المهمة. بينما أنا غارقة في
فكرة.
أنظف الجرح بينما أنا
أفكر في مدى جدية عدوانية المنزل.
هل هذا الأمر حقيقي؟
هل يمكن أن يحدث؟
انتبه متأخرة لأيادي
الأبواب المتهالكة، تستدعي الربط. لبعض الكهرباء وهي تومض في إشارة واضحة لوجود
خلل يستدعي المعالجة. الطاولات التي تفقد في كل مرة أحد أرجلها في عرج واضح،
الأكواب التي تقفز للهلاك، الريموت في ملل يبحث عن لعبة في كل مرة، السباكة
المتهالكة تستدعي التدخل كل مرة.
يا لله كيف يخبو وهج
الأشجار في الحديقة، حتى رغم الجدول الموضوع للعناية والاهتمام.
كأنما كل شيء يبدو
باهت مؤخراً، يتهالك.
المنزل يشعر بالإهمال
كذلك.
لم يكلفني الأمر شيء،
كانت بداية فقط بالجلوس في الحديقة وإعادة الري بدلاً من إصدار الأوامر بذلك.
إضافة بعض الكراسي المفضلة، استبدال الأرجوحة المتهالكة بأخرى.
حتى بدأ البيت يستعيد
توهجه. أشعر بسعادته تغمرني، مثل احتضان. كأنما عدت له من طول غياب.
أجهز كوب القهوة هذه
المرة، شموع وورد، أتدارك الأمر قبل أن يسقط الكوب من يدي وأنا ابتسم.
يتحول المنزل العدواني
لبيت. بيت وديع وأنيق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق