الأحد، 14 نوفمبر 2021

الانسان المهدور


نسمع كثير ويتردد علينا مصطلح الهدر، هدر المياه ربما أو هدر الحياة الفطرية وهدر الحياة البيئية مثل الاحتطاب الجائر. هدر الموارد البشرية. وكثير يطرقنا دورات للحد من الهدر المادي مثل سوء إدارة أو حتى مشاريع غير مجدية. كل هذه الأنواع من الهدر مشاعة ومنتشرة عالمياً.

لكن هل سبق وسمعتوا عن الهدر الذاتي. هل يمكن أن يهدر الانسان ذاته؟ طيب هل مر عليكم من قبل مصطلح الانسان المهدور؟

غالباً الكل بمجرد ما سمع مصطلح (الانسان المهدور) إلا وأعقبه بتنهيدة طويلة وربما ابتسامة مائلة وساخرة وهو يؤكد "أي بالضبط هذا أنا".

لاعليك.. يبدو أن لكل منا نصيبه من الهدر باختلاف درجاته وألوانه ومسمياته. لكن واجبنا اليوم ندلك على بداية الطريق للمعرفة حول هذا الأمر لتتحسس روحك وتكمل طريقك ببالغ السكينة وبهدوء العارف والمدرك لنفسه.

خلونا في الأول نعرف مع بعض معنى الانسان المهدور. بتعريف بسيط في إطار اجتماعي ونفسي.

هو التنكر لإنسانية الانسان. وعدم الاعتراف بقيمته وحصانته وكيانه وحقوقه.

 ولغوياً كلمة الهدر أو الهادر نفسها. تعني الساقط الذي ليس بشيء فبالتالي انعدام الكيان والقيمة. والسماح بالتالي للتصرف بالشخص, كشيء بدون مانع منه. مثل مانقول أوقات (فاقد الأهلية).

إذن الهدر الإنساني ليس حالة نادرة. وإنما هي حالة عامة تتفاوت في الدرجات بين أكبرها كاستباحة الدم. إلى عدم الاعتراف بالطاقات والكفاءات وكذلك سحب الحق في تقرير المصير والإرادة الحرة وحتى الحق بالوعي بالذات والوجود، مما يفتح الباب لمختلف أنواع التسخير والتحقير والتلاعب والإساءة. 

إذن هناك هدر صريح مثل إراقة الدماء بملامحه الصريحة والبشعة. وهناك هدر مقنع ومغلف مثل سلب الحقوق والحريات واتخاذ القرارات.

ونحن بدورنت نحب نسلط الضوء على الهدر المقنع. الهدر الذي من الممكن أن يتغذى على حياتنا وطاقاتنا دون وعي منا. من الممكن يضيع عمرنا ونحن في دوامة من الهدر المخفي دون أن نتبين ذلك. مثل هوَّة بالغة تتغذى على طاقاتنا.

بمعنى صريح. وبدون مجاملات وتغليف. من الممكن أن تكون شخص مهدور فعلاً دون علمك.

فتعال معنا لتتحقق من الأمر. هل أنت كذلك أم لا.


يبدأ الهدر في الغالب عند صناعة الانسان. بطريقة التعامل معه وذلك هو مايحدد حجم الهدر الذي قد يتعرض له.

من خلال التعامل معه ليس باعتباره كيان مستقل وله قيمة وتقدير. انما باعتباره إما أداة. أو عقبة. أو مصدر تهديد أو عبء أو حتى حمل زائد.

نسمع في حياتنا اليومية كثير من الرجال يكرر الأهل يعاملوني كأني صرافة. أو بعض النكت المنتشرة كيف يتحول الرجل بعد الأربعين لسيارة وفلوس. وليه نقول بعض النكات؟! فيه صورة نمطية غالباً عالمية عن الرجل. وأن قيمة الرجل فقط في كم يبلغ رصيده البنكي واش هي سيارته.

كلنا مر علينا المثل (الرجال مايعيبه إلا جيبه). هنا تحول الرجل لمجرد أداة أو طريق .. 

وكثير نقرأ ويمر علينا ردود على تويتر في تحجبم دور المرأة واقتصاره على المطبخ. وكثير يستخدم هالجملة دون وعي بمخاطرها تماماً "اش فهمك وعلى المطبخ".

أو تحديد دور الفتاة والتضييق عليها لنسمع منها في غضب "أنا مو بزر .. أنا موهبلة .. أنا مو شخص فاقد الأهلية لتضطر لحمايته والدوران حوله وتضييق الخناق عليه" وممكن يصل الأمر لمرحلة حرمان من حق مشروع كالتعليم والوظيفة والعلاج أو حتى الاستمرارية في التطوير الذاتي وتصوير الكيان المستقل كعبء أو حمل زائد.

وقد يواجه الشاب نصيبه من الهدر. في التدخل في شؤؤنه واختياراته وقراراته. حتى ممكن يتجاوز الأمر لاختيار تخصصه وممكن المدينة المفترض أن يدرس أو يعمل فيها. العايلة التي من المفترض يأخذ منها. حتى نصل لمرحلة من تكوين جيل معدم الثقة وغير قادر على القيام بأدنى مسؤولياته وواجباته. 

لنصنع بذلك جيل كامل يرزخ تحت ضغط الهدر الإنساني.

وهذه إنما هي مجرد ملامح من الهدر الممكن واليومي والمعاش. وليس جميع صور الهدر الذي من الممكن أن يتعرض لها الانسان.

الدخول في علاقة غير متكافئة هدر.

حمل كامل المسؤوليات على عاتقك دون مناصفة هدر.

احتمال علاقة اجتماعية تتغذى على التحقير والتقليل من شأنك وإهانتك على الدوام هدر.

الصبر على أذى متعمد منصب عليك وتقبل آراء الآخرين دون احتمالية الرفض هدر.

متابعة فيلم لايعجبك لكن مصر تكمله لنهايته لأنه فاز بالأوسكار مثلاً .. مثال بسيط على الهدر.

من الممكن أن تكون صورة نمطية عن الحياة السعيدة والكاملة, تتركك تحت ضغط الشعور بالهدر. مثل تخرج في سن معين ثم الحصول على وظيفة في سن معين ثم يتوجب عليك بعدها التفكير في الارتباط والزواج وتكوين أسرة. ومن الممكن أن تكون مثل هذه الصور النمطية معول الهدم الذاتي.. 

مثل منبه لايتوقف عن تذكيرك ب"القطار وفاتنا" ليتوجب عليك بعدها أن تشمر عن ساعديك وتركض بكل طاقاتك الكامنة لتلحق الإطار المثالي الذي تعلق فيه روحك. 

سن محدد للزواج يجعلك تحت هاجس ورعب من كونك عانس. كل ذلك عوامل مساعدة للهدر.

صورة مثالية عن الحب من ورد أحمر وبالونات وهدايا قيمة لازم. وحبيب أو حبيبة يتذكرك في هذا اليوم بالذات.. يجعل من يوم عابر يالله شديد الوحدة والكآبة دون رفقة.

تخيلوا كمية الهدر الممكن في حياتنا. تخيلوا حجمه. تخيلوا كمية الإمكانيات والطاقات المهدرة تحت ضغط المجتمع ورفضه من تقبله.

كيف لو قلنا أن الهدر هذا ليس أمراً مستحدثاً. ليس شيء واقف منتظرك على بوابة شبابك وقوتك. ليس متوقف تماماً مكتوف الأيدي ينتظرك حتى تكون قادر على مواجهته.

بل هناك هدر يبدأ منذ نعومة أظفارك. نعم للأسف. قد يبدأ الهدر معك منذ طفولتك.

فهناك فئات يجدها الهدر وجبات شهيَّة. يتغذى عليها بكل طاقته.

الفئة الأولى الأطفال وفترة الطفولة:

هدر الطفولة. فبدلاً من رعايتهم وتطويرهم والاهتمام بحاجاتهم النفسية. يحصل العكس فيتم قمعهم وتهديدهم وتبديد طاقاتهم. قد نقول بالمعنى الأصح "تعليبهم أو تصنيعهم" تحويلهم من كيان مبدع في ذاته وبالقوة الجبرية نريد منهم النضج. معاملتهم كأدوات لتحقيق أهداف ومطامع الأهل.

وليس أصدق من حديث الرسول الكريم " كل مولود يولد على الفطرة, فأبواه يهودانه أو ينصرانه.." الحديث.

ثم نأتي على الفئة الثانية :

وهي المرأة. الهدر هنا يأتي في جعلها ملكية خاصة. ليندرج تحت هذا الهدر جرائم وتعدي وسلب حقوق وحريات لاحصر لها. تحت مسميات الشرف والعار والبنت مالها إلا الزواج, وتأجل الحياة الطبيعية والتي من المفترض أن تعيشها لحياة مؤجلة بيد الزوج. 

هذا الهدر يطال حياة بالكامل يلفها كجريدة بالية ويضعها تحت ابطه.

الفئة الثالثة:

هدر الشباب. بتحييدهم عن اتخاذ القرارات ومنعهم من المشاركة في صناعة الحياة وحبسهم في قوالب جامدة لاتتناسب مع طاقاتهم المتفجرة. سيتحول الشباب من جيل نشط ومبدع ومتقد الذكاء. لجيل متقاعس وكسول وينتظر قائمة بالأوامر المطلوبة منه ليقوم بتنفيذها فقط.


بعد كل هذا الهدر المسلط. الهدر الخارجي. سيفقد الانسان المهدور مناعته النفسية. سندخل مرحلة من الهدر المرضي ويدعى بالمرض الكياني.

أي ببساطة وكأنك بعد فترة طويلة من الهدم وأنت تحت معاول الهدر, ستمسك أنت بزمام الأمور وستكفي العالم الخارجي همك وتقوم بدورهم في هدمك وثم تدخل بخطوات رشيقة لمرحلة الهدر الذاتي.

إي نعم. هنا نقدر نجاوب عليك ونقول لك للأسف من الممكن أن يهدر الانسان ذاته.

يفعل ذلك عندما يدخل في مرحلة من التكرار والاجترار. بدلاً من التغيير والإنماء.

مثل فقدان الحماس الذي يطال الكثير من المشاريع الناشئة والحالة التي تغلب أصحابها قبل الفوز وتحقيق الهدف بخطوات.

بين قوسين (يتحول الهدر الخارجي لهدر ذاتي  ومنه وفيه . حين تنجح عملية حصار الطاقات والعقول والوعي وتثبيط عزمها).

تبرز بعدها آلية داخلية .. وركزوا معي في هالنقطة. تبرز بعدها آلية داخلية تتغذى على الاستسلام. والوقوع في حالات من الإدمان. والإدمان هنا ليس فقط منصب على إدمان المخدرات. بل باب واسع من الإدمان " ادمان علاقات.. أدوية .. اهتمام .. أفلام ..ألعاب .. قائمة لاحصر لها من الإدمان"

والوقوع فريسة للإكتئاب. إكتئاب لايقتصر على تبديد الطاقات والمبادرات. بل يتحول لنوع من اللذة في النواح والاستعطاف والشفقة وعيش دور الضحية.

هنا نقدر نقول أن هذا شخص فقد مناعته بالكامل وتحول للهدر الذاتي.

نحن أمام سيادة سطوة الموت و رغبة التدمير على نزوة الحياة والإنماء * كما يذكر فرويد.

ربما يكون الأمر مزعج والحقائق موجعة للبعض منا، لكن آخر العلاج الكي، هذه المعرفة المتاحة لك تجعلك تستعيد سكينتك وهدوئك لتتذكر ذاتك العظيمة المخبأة تحت الركام. قبل أن تتحول أنت لمعول هدم في مواجهة نفسك.

فنحن أمام سلسلة من الهدر الدائر. فكل مهدور سيهدر ما إن تتاح له الفرصة لفعل ذلك. سيهدر ماسواه من طاقات وأفكار إبداعية وطاقات واهتمامات. سيتحول الانسان المهدور لقنبلة موقوتة من الممكن أن تكرر انفجاراتها كل حين. لنرى صور جديدة من التنمر والتسلط والسخرية والتحقير وتحجيم حجم الإنجازات والتقليل من شأن النجاحات. كحجارة ومسامير ملقاة في طريق السالكين.

النقد الجارح وتسليط الضوء على النقائص والاصطياد في الماء العكر.

لذلك كانت هذه المادة الدسمة من المعرفة المبسطة لتقف حلقة الإهدار عندك. وإن لم تتعافى من كل هذا الهدر الذي يقض مضجعك. لاتترك أحداً يعاني الهدر بسببك. لتكسر سلسلة الهدر عندك.

أنت تظن الآن وكأنك مصاب بمرض قاتل. وكأنك تحولت لساعة رملية يتلاشى بعضك مع الوقت. لكن الأمر ليس بهذا السوء. فالمعرفة المكثفة ليست مجردة من علاج.

هنا أطلب منك كشخص يهتم لأمرك. ويشعر بالإهدار بشكل أو بآخر مثلك. أن ترجع للمادة السمعية من بودكات ساندوتش ورقي والتي بعنوان فن التجاوز.

بالإضافة للمادة المقدمة في فن التجاوز هناك نقاط أو اعتبره مضاد حيوي ونفسي للبدء في التعافي.

كلنا نقول أنت عندك الآن المعرفة وهي سلاح. بعكس آخرين يعيشون الهدر بصور مأساوية ربما دون انتباه منهم. وهذه خطوة.

نقلك بعدها استرخي.. بكل مافيك استرخي. عيش كل لحظات الاسترخاء الممكنة عندك. كوب شاي نعناع مثلاً. كوب حليب دافئ وملعقة من العسل. قطعة شوكلت مع فنجان قهوة. ثم ارمي بكل الصور النمطية والمثالية المعلقة في رأسك للنجاح والسعادة والحياة وكيف ترضى عن يومك وتخلص منها فوراً. عيش اللحظة برأس فارغ مثل إعادة تهيئة. تفريغ لكل الصور المعلقة في رأسك. اترك شبابيك روحك مفتحة لتجديد روحك والانطلاق.

وتذكر أن العلاج في اثنين.

احترام الذات .. وتقدير الذات.

احترام الذات وكأنها شخص مستقل بذاته عنك. قد يبدو كلامي ضرباً من الجنون. لكن لا حقيقي اعتبر الذات كائن منفصل عنك ومستقل بذاته. له ماللآخر من اهتمام ورعاية واعتذار في حال أسأت الظن به أو تجاوزت الحدود معه أو أخطأت في حقه. لايمنع أن تعتذر بصوت مسموع يعلو صوت مكائن الهدم داخلك. 

أن تمنحه مساحة مقبولة للخطأ والمغفرة والتجاوز والتغافل. لاتترك نفسك عارياً تحت المجهر للتدقيق والنقد.

خلال ال24 ساعة في يومك. امنح نفسك وقتاً تصفح فيه عنها وتطمئنها وتذكرها بأهدافه السامية التي خلقت لها. أو طموحاتها التي بدأتها. وأحلامها التي لاتتطلب منك تفكيراً أكثر بقدر البدء في العمل وفوراً. لن تخسر شيئاً ما أن تجرب.

ثم ابدأ في تقدير ذاتك.

هل ترى هذه العلاقة تناسب روحك دون أن تسرق منها؟

هل تجد هذا العمل متسق مع اهتماماتك واحترامك لذاتك؟

هل هذا المكان ملائم لك؟

التقدير الذاتي والاستحقاق العالي يقفز بك قفزات واسعة للبناء النفسي ولاستعادة حصونك المناعية.

ربما سنتكلم في وقت ما عن الاستحقاق الذاتي..

العلاج بالتفكير الإيجابي وتنشيط هذا التفكير وأنت بكامل وعيك وكأنك في حرب وهذا سلاحك الوحيد الممكن بيدك. تضعه نصب عينيك. التفكير الايجابي بقصد ووعي. ومن ضمن التفكير الإيجابي, العواطف الإيجابية وتنميتها وتغذيتها, لاتقول أنا شخص كريه وثقيل دم وحضوري معتم. ولاتترك للأفكار السوداوية الحبل على الغارب لتدور حول علاقاتك وتخنقها.بل تعامل معها بغباء. ماهو واضح لي وأمام مرأى عيني فهو الحقيقة الوحيدة هنا. لن أفسر التصرفات والالتفاتات حسب رغبتي. 

نعم أنا شخص مؤثر ومهم ومحبوب مادام لم يصدر مني مايخالف ذلك.

العلاج بالارتباط بقضايا كبيرة له يد في التحرر من الهدر الذاتي ويساهم في رفع التقدير الذاتي.

أخيراً

المواجهة

مواجهة مخاوفك بقلب قوي وفكر واعي تماماً لمايدور حوله ومايعيشه الآن. اشحذ همتك في كل مرة وحدد أهدافك. فأنت بدون هدف سيستخدمك الاخرين في تحقيق أهدافهم.

الآن أريد أن أسألك..

هل تجد نفسك انساناً مهدوراً؟

هل أنت الآن وبعد هذا البودكاست مثلما كنت قبله بلحظات؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق