الاثنين، 4 أكتوبر 2021

مايحكيه حبل غسيل طاعن في السن.


 

وكأن هذه الحبال المنتظرة مطولاً بين بيتين ولا تنتمي إلا للشارع، تخبئ من الأسرار أكثر مما تحتمل.

كم طفلاً يقطن هذا المنزل، كم طفل يحضر جديداً تماماً على هذه الحياة الرتيبة، بملابس تأكل القلب ومقاسات بحجم الكف، كم طفل آخر يحظى بثياب بالية تماماً وشعور قديم وعلى الرف على نفس الحبل.

كم عجوزاً يضم المنزل المقابل ليحمل حبل الغسيل ثيابها المتكررة في دورة غسيل لا تنقطع، لتكون ثيابها بهذه الألوان الباهتة والمغادرة، لتكون ثيابها بهذا الشكل من القدم. وتشبه أحاديثها المتهدجة والرتيبة والبطيئة.

ليخبرك آخر كم رجلاً يقطن المنزل المجاور وكم طفلاً يركض في ظل أبيه، يلبس الثياب البيضاء لتنتشر مشعة تحت أشعة الشمس وتجاورها ثياب بيضاء صغيرة وكأنها تمد أكمامها لتقبض على أكمام راشدة في دورة تحليق لاحقة، أبيض شاسع وواسع يمتد يملأ حبل غسيل في منزل مجاور، وعباءة تختار زاوية ضيَّقة تحشر نفسها داخلها، مقابل كل هذا البياض تحضر كل هذه العتمة.

فساتين تملؤها الأزهار والألوان، تنشر على ضفة شقة ضيّقة لكنها تبدو رحبة على حبل غسيل، مزهرة وتحمل رائحة من البهجة والفرحة وكأنها خطت خطوات راقصة قبل أن ترتاح على حبل غسيل. تستعيد طاقتها.

ألوان أخرى وثياب ممتدة ومجعدة وكأنها خاضت حياة شاقّة للغاية لتبدو وكأنها لا تحمل ألوانها الخاصة، بينما صبغت بألوان ثياب حجزت قصراً معها، أو أنها حياة شائكة جداً لتتحمل كل هذه الثياب والفساتين وبدل رياضية لعمر سنتين وأخرى بمقاس خمس سنوات ألوانهم مجتمعة. دون أن تحمل لوناً خاصاً بها تزهو به.

قوالب من ثياب تعرف تماماً أنها تحمل مشاعر مجمدة، تحضر دائماً بصورة مثالية لكنها خاوية، رغم أنها ترتاح على حبل غسيل لكنها تبدو وكأنها انتهت من مرحلة الكي، تبدو ثقيلة حتى يرتخي حبل الغسيل تحتها.

وأخرى تعيش قصة حب ممتدة وفسيحة، وكأنما حتى وهي تتمدد على حبل غسيل متهالك تبدو وكأنها في خضم ضحكة، وكأنها تستمع في انصات لحديث شيَّق يعزف على مسمعها، وكأنها تتكئ على أكفها وبعيون ملؤها حديث أكبر من أن يتهندم ويحضر. لكنها ترفرف في الغالب حتى في عدم وجود هواء مجاور. تعبر من تحتها وكأنما هي تصبغ عليك من ألوانها، حتى من رائحتها المنعشة.

 

 

وأنا كحبل غسيل ممتد بين شعورين.

وي كأن هذه الحديّة البالغة بي، هي شعور مشدود ومثبت بين بيتين، حتى أن العصافير التي ستمر به أو تحط عليه ستوجعه، حتى رفرفة الفراش من حوله سترهقه، سيزيد المطر الوضع سوء حتى لو لانت أطرافه، مادام ستعقب هذا المطر شمس ساطعة.

 القبض على كف وكأنها القبضة الأخيرة حتى تتوجع أطرافي، الضغط على أسناني وكأني أحاول الشد على غضب عارم لا يخرج، الصوت النافر عند أبسط حديث ولو كان عابر. وكأن هذا الجسد قضى وقتاً وهو في حالة انتصاب حتى أرهقت الأيام أقدامه، بظهر مستقيم يكاد ينكسر، وبكاء يسكن بين عينين. ينتهي دفعة واحدة بقبلة منك على جبين غاضب. حتى أفلت كل هذا السأم من بين يدي، ويغادرني هذا الغضب، حتى تتحرر خطواتي المتجذرة للدوران والرقص.

هل ستهديني أغنية؟

بالي أنساك .. مستحيل.

عقلي معاك نهار وليل.

واعديني .. لاتفارقيني.

واعديني.. لاتخليني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق