الجمعة، 10 مايو 2013

التخلي .. بوابة الإدمان الكبيرة .





عندما يسد الله الطرق في وجهك, فإنه يختصر عليك عناء الإختيارات ويأخذك قصراً من يدك لطريق لم تستبينه بعد
لايهم ولست أكيدة من أي شيء حالياً غير أمر وحيد وهو أني يجب ألا أتوقف عن  الكتابة مهما كلف الأمر..

بينما تكون وحيداً للغاية ستنشأ في رأسك ألف فكرة تخلي .. سأتخلى عن العالم الإفتراضي .. سأتخلى عن حساسيتي .. سأتخلى عن بصيرتي .. سأتخلى عن كل حواسي الفائضة عن الحاجة والتي تتركني في إختلاف وفي فصام .

... : سأتخلى عن الكتابة

الآخر: لايمكنك.

أنا "بعصبية": بلى أستطيع 
.
هو"وقد أحس بالخطر":فكري جيداً .. الله وحتى هذه اللحظة لم يمنحك شيئاً غير الكتابة , الكتابة التي تأخذك من يديك لتزورين مولد دوستوفيسكي وتحضرين العزاء بفستان أسود موت تولستوي في روسيا اليوم. تطوفين أكثر من دولة عبر جمهور يقرأ لك, يقرأ لك ليس لأنك تعانين في هذه الحياة وتخطئين وتشعرين بالأسى وتبكين أحياناً وتصمتين أخرى .. ليس لأنك تحبين الألوان وتختارينها بعناية وكأنه نبيذ فاخر عليه أن يمر بأكثر من مرحلة حتى يكون جاهز للشرب, ليس لأنك أحياناً لاتجدين ماتفعلينه بالساعات متشنجة أمام الشاشة .. ليس لأنك بدأت تفقدين الكلمات في رأسك هو يتابعك لأنك فقط تكتبين ..

أنا: لا أجد الكتابة غير كآبة وحزن ووحدة وضعف وسجن مؤبد وأسى بالغ وموت محقق .

هو: الكتابة البقية الباقية .. كلنا مجرد خطوات نحو الهلاك وهاوية سحيقة للنسيان .. لايهم الأثر بقدر أنك تشعرين بتحسن كل مرة تكتبين وتتفنسين في كل مرة تبدأين بصعوبة بالغة ولطالما كنت فاشلة في البدايات لكن هذا التتابع والتواتر مفعم بالحيوية ومنعش ولذيذ .. متأكد كل من قرأ لك لايتوقف إلا عند نهاية الحديث .

 أفتح علبة البروفين ثم يختفي الصوت تدريجياً في رأسي , وقبل أن أخلد للنوم حاولت إخباره أني محبطة فقط لكنه حتماً يعرف ذلك أليس هو في رأسي الآن .


أتوسد يدي اليمنى ووسادتي شاهد عيان وكتب مركونة لم أتابعها لنفس السبب الذي سأترك فيه الكتابة . أنظر لمشهد بائس من إضاءة خافتة لأبجورة وحيدة وأقلام جفت وكتب وكوب ماء حتى نصفه .. وعلى الحائط المقابل أرسم خيباتي وأتابع أفكار دون تدخل .
نحن بحاجة لحياة دون تدخل أحد ودون رغبة في إرضاء أحد والسعي خلف الجميل واللامع والوفاء دون أن تشعر بذلك ينبع من عميق قلبك, لسنا بحاجة لنسخًر حياة تخصنا بأكملها لآخرين لديهم مايكفيهم من الحياة .. بحاجة لحياة غير متكلفة ولاتتم بتدقيق وفي إطار تتسلط فيه العادات والتقاليد والعيب والحرام وكلام الناس .. وكأننا زمرة وحوش علينا ترهيبها كل يوم وكل ليلة وكل دقيقة بماسنكونه لاحقاً وبعذاب مؤجل ..
أعرف أمر واحد فقط وهو أن "الله أكبر" وأمر آخر " أنا حي إذن سأعيش"
هل تعرف كيف الله أكبر ؟
يعني أنك لست بحاجة لتسلق سلم من الصفر كمعدوم ثم كرفيق رقيق ثم كصديق مقرب حتى تحظى بفرصة والفرصة قد تكمل طريقها نحوك وقد تغادرك وتتركك فريسة الفشل وقد تكون مؤاتيه فتصبح رهن وهم الإستمرار وفي طريقك للإدمان .. بينما بيدك طلب كل ذلك من الله وحده .. حتى في علاقاتك لاترضخ أكثر من اللازم فكل حياة على هذه الأرض مربوطة بقوانين في السماء مطبوعة ومرسومة بدقة متناهية ..
تعرف كيف تعيش ؟
في المتاح .. وأكثر إن كنت تملك روحاً قوية وراغبة في الوصول .. بأن تترك ماهو خامل ومثبط وكريه وممل لأمر أكثر بهجة ..

تنتقل شاشة العرض من الحائط المجاور للسقف .. وغالباً ماتنهال من السقف الأحزان .
تستلقي وتسقط روحك عميقاً عميقاً للغاية .. وجسدك تسحبه الأرض .. وأفكارك وحدها بالونات إما ملونة وإما سادة .
أحاول إخبار صديقتي في كل مرة أني حزينة لكنني لا أود أن تحزن علي وحزني الذي يخز روحي في الواقع هو ليس حزن فأبسط ألم حقيقي سيحول كل هذه الدموع والأحزان لأوهام .. إنها فقط غربة . 
قد نولد أكثر من مرة ولكنا نموت أكثر ممانولد .. ولادة واحدة قد تدفعك لإرتكاب حماقة لكن موت واحد قد يعيدك لرشدك وفشل قد يصنع منك ناجح ووحدة موت إحساس غذيته جيداً قد يجعل منك ناضجاً فوق مستوى هذه الحياة .

لايهم ..


يقول صديقي أننا نكون أكثر وضوحاً في مرحلة الطفولة, هناك نعرف مانحب ومانكره بدقة, كحد فاصل ..نعرف مانريد أن نكون .
أقاطعه أنني كنت أفكر أن أصبح عداءة ..

يرمقني بنظرة ويتحول الحديث لضحكات .

وأبي كان يؤكد لي أننا نولد بأرواح كبيرة وأجساد صغيرة .. ثم تتعاظم أجسادنا وتتقازم أرواحنا حتى تصبح هزيلة ..
أنظر لعيني أبي .. كم تبدو روحه واهنة .
أنظر لعيني كم تبدو روحي واهنة كذلك .. هل أنا في عمر أبي ؟

عمي "رحمه الله" كان دائماً مايؤكد كلام أبي بحديث واسع " في أحجامنا الصغيرة كنا ننظر لأعلى وكانت الدنيا رحبة للغاية وغالباً ماكانت زرقاء وعندما نصبح في سن متقدمة بالكاد نرى مواضع أقدامنا .
أتذكر كلامه جيداً وأنا أنصت له رافعة رأسي لأعلى لتتسنى لي متابعته .

ثم أخبر صديقتي .. أننا الرابط المشترك في علاقاتنا الفاشلة كلها .. نحن من عليه أن يتغير وليس الآخر .
يجبني صوت هزيل "كان يجب أن توجهي الحديث لنفسك".

غير أني والمرآة كشريكي حياة .. لم نعد نتحدث مطلقاً مكتفين ببعض الإشارات.. أحياناً عند الخروج وحتى اليوم التالي .

ثم تحضر دموعك بغزارة على جانبك الأيسر ..حيث تكون قريباً للغاية من الشيطان .
أقرر في الآخر الإنتهاء مني أنا كلياً .. هذه الأنا الهزيلة والمترددة والمتخوفة والمتهورة أحياناً .. هذه الأنا القديمة والتي لم يعد بوسعي إصلاحها أكثر من ذلك .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق